23 فبراير، 2017


على حافة الوادي

قصة قصيرة.

(إلى أحمد عبدالجليل الصعقار)
... صنوبرة على حافة الوادي المؤطّر بجدار صخري.. فوقها غراب ينعق.. تحتها كلب أبيض ينبح.. فوق الحافة المقابلة شمس تتهيأ للغروب.. تُريق الألوان في أطراف الغيم.
الكلب أكثر حماساً.. يوجّه نباحه إلى الأعلى.. يحاول التسلّق.. يكتفي بسنّ أظافرة على الساق الخشنة.
 غيمة صغيرة متمهّلة.. تُبلل المشهد.. تقطر أغصان الصنوبرة.. يتوقف الغراب عن النعيق.. ينفش ريشه.. يتوقف الكلب عن النباح.. يلعق قطرات المطر التي تجمّعت في تعرّجات الصخر.
المزنة الصغيرة تتجاوز الوادي.. نصف الشمس المرتكز فوق الحافة المقابلة يصبغ المشهد بالأحمر.

يرفع الكلب رِجله.. يبول على أسفل الصنوبرة.. يحرث التراب بأظافره.. يلوي عنقه.. يتوارى في عتمة الغابة.

ينعق الغراب نعقتين طويلتين.. وهما تعنيان على الأرجح: (هذا أقصى ما يستطيع أن يفعله كلب.. مخلوق لا يملك جناحين لا حيلة له إلاّ النظر إلى الأعلى).. ثم يطير باسطاً جناحية فوق تعرجات الوادي.. يلتفت إلى قرص الشمس ينزلق بكامل استدارته وسط موكب من الألوان.. ينعق بزهو: (أن يكون لك جناحان يعني أن ترى الشمس بكامل بهائها.. فيما الآخرون تلفهم العتمة مبكراً).. ينظر إلى الأسفل.. الكلب الأبيض ينحدر مع الوادي.. خط أبيض قصير يظهر ويختفي في فجوات الغابة.

***
(2017)

05 أبريل، 2015



بوبريص
 
قصة قصيرة.


1
   ... ضباب الصباح يغادر الوادي.. لازلت أرى ذيوله المتبقية التي بترتْها الريح.. أستدفئ فوق الصخرة التي أقطن تحتها.. أتماهَى مع لونها الكامد.. الدفء يسري إلى جسدي المبلّل.. المتعة دائماً لها منغِّصوها.. ترصدني قبّرة متوّجة تحلِّق فوق رأسي مباشرة.. لا وقت للتفكير في الخيارات.. ها أنا أتخلّى عن ذيلي.. أبتره.. ذيلي يقفز.. يلفت انتباه القبّرة.. تلحقه.. ألوذ بأسفل الصخرة...

 2

   ... ماذا؟ هل تعيّرونني بأنني بدون ذيل؟ أبتر؟ كانت خياراتي محدودة.. الذيل أو الرأس..! ماذا يفعل أحدكم إذا خُيّر بين ذيله ورأسه؟ غبّي من يتوقف لحظة واحدة للتفكير في ذلك.. هذا ليس خياراً.. بالإمكان دائماً الاستغناء عن الذيول من أجل الرؤوس.. بشرط ألاّ تكون تلك الرؤوس فارغة.. وإلاّ فإنكم ستخسرون ذيولكم من أجل لا شيء.. الذيول لا تخلو من فائدة.. على كل حال.. أنا لست مثلكم.. سينمو لي ذيل جديد.. وفي انتظار ذلك سأتوارى تحت صخرتي الحصينة.. بعيداً عن مناقير ومخالب المخدوعين بالذيول المتقافزة.

***

(2015)




الدبّابة


قصة قصيرة.



   ... مساء ربيعي.. تمر الدبّابة.. بضجيجها.. ودخانها الأسود.. وسط الدرب المعشب.. المؤطّر بأزهار الربيان الأبيض.. الدرب الربيعي لا يتّسع  للدبّابة.. فكانت تدوس الأزهار على الجانبين.

     الحمار الذي يرتع فوق الربوة المحاذية للطريق يرفع رأسه.. يمد أذنيه باتجاه الدبّابة.. الغراب الجاثم فوق الغصن الأجرد لشجرة العرعر ينعق نعقتين متتاليتين.. المرأة التي تحلب بقرتها تُلقي نظرة من فوق كتفها دون أن تتوقف عن الحلْب.. الأطفال يواكبون الدبّابة  صارخين.. القرويون المصطفّون على حافة الطريق يرفعون قبضاتهم.. يهتفون.. يلتقطون الصور التي تحتلّ خلفيّاتها الدبّابة.

   ... توغّلت الدبّابة.. اقتحمت خراريفهم الليلية.. لم يأتِ أحد على ذِكْر شجرة اللوز المزهرة على كتف الطريق...

***
(2015)

02 مارس، 2015



هشاشة
 
قصة قصيرة.


     ... تثبّت الحقيبة المدرسية على كتفيه.. (قبل أن تعبر الطريق عليك أن تنظر إلى الجهتين).. تضع الساندوتش الملفوف في ورق قصدير في جيب الحقيبة الخارجي.. (إذا.. إذا حدث.. يا الله كيف أقول ذلك؟ إذا حدث انفجار عليك أن تلتصق بالأرض.. لا أعرف إن كان ذلك سيُجدي).. يهزّ رأسه بعصبية (أعرف يا أمي.. لقد علّمونا وضع الانبطاح بعد سماع الانفجار).. تغمض عينيها (الانبطاح..!! يا الله لماذا ننجب في زمن الحرب؟).. تضع يديها على كتفيه.. تتأمّله.. تملأ عينيها منه (هل تخشى أن تكون هذه المرّة الأخيرة التي تراه فيها؟).. ترسم حوله دائرة بإصبعها.. تقرأ المعوّذات.. (لا تقترب من البركة المحاذية للطريق.. حتى لا تلوثك السيارات).. تنظر إلى اهتزاز الحقيبة فوق كتفيه الصغيرتين.. (هناك كلب أجرب تحت السيارة التي انفجرت الأسبوع الفائت.. يتودد إلى المارّة.. لا تلمسه).. تخطو خلفه.. (انتبه.. كثير من السائقين لا يبالون بالإشارة الحمراء).. يلتفت (أعرف يا أمي.. حفظتها.. تقولين لي ذلك كل صباح)..! لم تنتبه إلى أنها لاتزال تخطو خلفه.. (وجودنا هش.. انفجار.. أو سيارة عابرة.. أو فايروس لا يُرى بالعين المجرّدة.. أو حتى كلب أجرب من الممكن أن يهدّد وجودنا.. يا الله لماذا نحن كائنات سريعة العطب؟).. تماوجت صورته في عينيها الممتلئتين بالدموع وهي لاتزال تردّد (نحن كائنات سريعة العطب.. كائنات سريعة العطب).

***
(2014)


في الظل
 
 قصة قصيرة.


1

   ... قيلولة.. شجرة بلّوط ضخمة في مجرى السيل.. حرباء تصعد مع ساق البلّوطة.. عين إلى الأمام.. عين إلى الوراء.. تعاين الألوان لتأخذ التمويه المناسب.

2

   ... أفعى تتكوّر داخل شق في أعلى الساق الخشنة.. يبرز رأسها كعودٍ داكن.. ترصد الحرباء دون أدنى حركة.

3

   ... بومة تدور تحت الظل في طيرانٍ صامت.. تحط على الصخرة الكبيرة المتكئة على الساق.

4

   ... الجندب الصادح في أعلى البلّوطة يكفّ عن الغناء.
... وفي سماء الوادي مزنة بيضاء.. تعبر.. وتتلاشى...

***
(2014)



على هامش المعركة


قصة قصيرة.


 1

... صباح ماطر.. الصخور النديّة تلمع في السفوح.

الجنود العائدون من معركة البارحة يتحدثون عن المجد.. ويغنّون النشيد الوطني.


2


... آمر الكتيبة يخرج من جيبه دفتراً صغيراً مجعّداً.. أصابه البلل.. يراجع عدد الضحايا وأسماءهم.. يتحسس جرحه بفخر.. لا يلتفت إلى الصخور النديّة التي تلمع في السفوح. 

3


... حين يصلون إلى مشارف القرية يرفعون أصواتهم بالنشيد الوطني.. يجعلون خطواتهم أثقل.. يحرص الآمر على أن يكون جرح رقبته ظاهراً.. غير أنه لم يسجّل في دفتره المجعّد أعداد الحلازين الملوّنة التي داستها أحذية الجنود الخشنة.. الموحلة.. وهم يغنّون النشيد.. ويتحدثون عن المجد.


...
في تلك اللحظة.. سرب من غربان الصباح يعبر الأفق...


***
(2014)