27 ديسمبر، 2009

عَصَافِيْر

1
... في السفح غابة.. في الغابة شجرة بلوط.. في البلوطة عُش.. في العش طائر.. تحت الطائر بيض.. في البيض عصافير.
في البلوطة أيضاً ثعبان يتسلق.
2
... ينتفض الطائر.. يصيح بهلع.. يقفز من غصنٍ إلى غصن.. ينفش ريشه مستخدماً كل أسلحة العاجز.. فيما الثعبان يلتقم البيض.
3
... في السفح غابة.. في الغابة شجرة بلوط.. تحت البلوطة ثعبان يزحف.. في بطن الثعبان بيض.. في البيض عصافير. في سماء الغابة أيضاً حدأة تبسط جناحيها بلا حَراك.
4
...لم يكن في الوقت متسع للاختباء.. ينتفض الثعبان.. يفِحُّ بهلع.. يتلوَّى بين المخالب مستخدماً كل أسلحة العاجز.. فيما الحدأة تصعد إلى السماء.
5
... في السماء حدأة.. بين مخالب الحدأة ثعبان.. في بطن الثعبان بيض.. في البيض عُصيفيرات تُحَلِّق...
***
(1999)

22 ديسمبر، 2009

الْمَتاهَة...

1
... ضباب الصباح يستلقي في الأودية.. وبعض السُحُب الشاردة تجوب السماء.
الْتقطت رَجْعَة عصا رقيقة.. فتحت باب المَرَاح.. فتدافع القطيع.. غَصَّ المدخل.. ثم تدفَّقت الشِياه خلال مسارب الغابة.
صاحت أُمَّها:
ــ لا تسرحي بعيداً.
لكنَّ رَجْعَة لم تسمع.. كانت تُحاول أن تسبق الأغنام.. فلا شكَّ أنه هناك.. ينتظر.. تُرَى هل بدأ العزف على مزماره؟
2
... تجمَّع القطيع تحت الخَرُّوبة.. بدأت الجديان تمُدُّ أعناقها.. وتُحاول التسلُّق وهي تتقافز فوق بعضها.
مَدَّت رَجْعَة عصاها إلى أعلى.. خشخشت قرون الخَرُّوب.. تساقطت.. بدأت الجديان تصيح صيحاتٍ مكتومةً وهي تملأ أفواهها وتتناطح.
جلست فوق صخرة.. تتأمَّل القطيع.. أحسَّت بنشوة وهي تشمُّ فَوْح الخَرُّوب المُختلِط برائحة الفحول.
تلفَّتت وهي تُصيخ..
ــ تأخر اليوم.. ليس من عادته أن يفعل هذا.
خُيِّل إليها أنها تسمع صوت المزمار.. ابتسمت.. نهضت مُتجِهةً ناحية الصوت.
ــ ليس في مكانه المعهود.. يبدو أنه بالقرب من الكهف.
صعدت.. بدأ المزمار يصدح بوضوح.
ــ إنه في الكهف.. لم يفعل ذلك من قبل.
أخذت تًفكِّر..
ــ رجل.. امرأة.. كهف..
أحسَّت بارتعاشٍ لذيذ.. دخلت.. نادت:
ــ سعد.. سعد.
مشت في ضوء المدخل.. أحدثت خطواتها خشخشة.. انبعثت رائحة الزبل الجاف وذَرَق الطيور.. كلما توغَّلت أصبحت النغمة أكثر وضوحاً وحِدَّة.
توقَّفت.. الْتفتت إلى الوراء.. لم تَعُد ترى مدخل الكهف.. اكتشفت أنها في قلب الظلام.
ــ لماذا يفعل ذلك؟
تجاوب الكهف بأصوات المزامير.. ارتعشت..
ــ لماذا لم أنتبِه إلى أنَّ النغمة مُختلِفة؟
سكتت المزامير.. تلاشى الصدى.. ساد صمتٌ مخيف.
ــ سعد.. سعد.. إنك تُخيفني.
استدارت مسرعة.. اصطدمت بشيءٍ ما.. صرخت.
ــ مَن أنت؟ اتركني.. اتركني.
انتزعت الشالَ يد خشِنة.. أحكمت قبضتها على الشَّعر المُنسدِل.. مزَّقت اليد الأخرى فَتحة القميص.. الْتفَّ الساعِدان القويان حول الخصر.. حَمَلَها.. طرَحها أرضاً.. بدأت الأصابع تحفِر في الظهر.. غاص الوجه بين النهدين.. تعالت الأنفاس.. الصراخ.. التمزيق.. التشنُّج.. اللعاب.. العرَق.
... وبقي الشال المُتكوِّم في الركن يبرق في الظلمة.
3
... أفاقت.. شعرت بالبرد.. تحسَّست الجدران الرطبة.. تلمَّست جسدها العاري.. واكتشفت كل شيء..
دفنت وجهها داخل كفَّيها.. اختضَّ جسدها.. وبكت:
ــ الوحش.. تُرَى مَن هو؟ مَن الذي.. الذي فعلها؟ لم أتمكَّن حتى من رؤية وجهه.
نهضت.. أخذت تتحسَّس الجدران.. فوجدت أنَّ هناك عدة ممرّات.. أحسَّت برُعب المَتاهة.. سارت في أحد الممرّات.. ثم عادت تتلمَّس.. وسارت في الاتجاه الآخر.. رجعت مرّةً أخرى.. توقَّفت.. أسندت ظهرها.. لسعها البرد.. اعتدلت.. أنصتت..
ــ ما هذا الصوت؟ يبدو أنها قطرات ماء.
كلَّما تقدمت.. ازدادت القطرات وضوحاً.. تذكَّرت كيف كانت تتبع صوت المزمار.. هزَّت رأسها لتطرد الخوف.. مدَّت يدها في الظلام.. حرَّكتْها يميناً ويساراً.
ــ لا أثر للماء هنا.. هذا ممرّ آخر على اليمين.. يبدو أنَّ القطرات في هذا الاتجاه.. لا.. إنها على اليسار.. إنه سرداب آخر.. كل سردابٍ يُفضي إلى عدَّة سراديب.
وقفت حائرة.. ثم تحسَّست الأرض.. جَثَت.. ألْصقت ذراعيها على فخذيها.. وأخذت تسترجع كلَّ شيء..
ــ ذلك الوحش.. له رائحة كرائحة الفحل.
فكَّرت في سعد.. وفي المزمار.. وأُمِّها.. والقطيع.. الخَرُّوب.. الضباب.. الشمس..
ــ هل هبط الليل؟ لكن ما جدوَى ذلك؟ هذه المَتاهة يستوي فيها الليل والنهار.
... نهضت.. أخذت تنتقل بين السراديب.. تتلمَّس طريقها بيدين ممدودتين.. وتتسمَّع القطرات..
... منذ ذلك اليوم.. وأطفال قريتنا لا ينامون.. حتى يسمعوا من جَدّاتهم حكاية العذراء التي ابتلعها الكهف.
***
(1996)

17 ديسمبر، 2009

بَياض

1
... تَموت العذراءُ يوم عرسها! تَموت مُستلقية على ظهرها في فستانِها الأبيض فوق السرير.. على شفتيها ابتسامة.. الحِنّاء تُشرق في يديها وقدميها.
2
... بعض النساء لازلن يزغردن في الغُرفة المجاورة.. سيّارات العرس المزيّنة بالبالونات تُطلِق أبواقَها أمام بيت العروس.
3
... يصرخ أحدهم.. يُخْرس الزغاريد.. يقطع خيط البالونات.
4
... تخرج العروس مَحمولة على الأكتاف.. مُستلقية على ظهرها فوق الحَمّالة الخشبيّة.. على شفتيها ابتسامة.. حِناؤها تُشرِق خلف بياض الكفن.. وفي سماء الجنازة تسبح البالونات الملونة...
***
(2008)

14 ديسمبر، 2009

غناوي..

من كتاب غنّاوة العَلَم لأحمد يوسف عقيلة

فضَّيْت للعزيز مكان ... إن جاه جاه ما جاه مَولْحد
ـ ـ ـ
عَلَيك غَيْر مَو شَكّاك ... العقل فيه زَيْناتَك اشْوِي
ـ ـ ـ
ملَيْت مِن عزيز انْظري ... تْمُوْت يا غَلا ما تْهمّنِي
"عبدالكافي البرعصي"
ـ ـ ـ
يضيقن الاّ بعزيز ... أقطَع عقولنا ويش ياسعَن
"عيسى بوالقوّالة"
ـ ـ ـ
غَلاه جا اصْداف اَيّام ... بلْهُون ما عزيز يلُوْمنِي
"سليمان الشرِّيمة"
ـ ـ

ما عرفت بَيش العين ... اللي وشوشوها فارحة
"عبدالعزيز العوّامي"
ـ ـ ـ
عزيز في وطاة العقل ... نزَل يريد يستاسَع ملَك
"عبدالحميد يحيى"
ـ ـ ـ
امغَيْر ما اغْلِيْت عليه ... عزيز ما اغْلي غَيْره علَي
"عبدالرازق بوالدعبسيّة"
ـ ـ ـ
عَلَيك يا سريب عَزيز ... اكْبِرت غَيْر عَقلي ما اكْبِر
"عبدالعاطي خنفر"
ـ ـ ـ
عَلَيْما مشَيْت وراك ... ابْطلْت ما غَواياك حَوددَن
"خليفة غيث"
ـ ـ ـ
طَرّاي كنْت عَ اللَّوْلاف ... وانْقَصَوا غَيْهَبَونِي ف الغَلا
"عيسى بوالقَوّالة"
ـ ـ ـ
عَلَى اِيْدنا بذَرْنا صَوْب ... وحْصاده عَلَيْ دَيْن غَيْرنا
"منعم سَيْويد"
ـ ـ ـ
وصَّونِي عَلَيْه اعْزاز ... النَّقْص غَيْر دارَوْه هم اللي
"فضل الله إدريس"
ـ ـ ـ
سريت له ونا مَمطور ... شكيع برق في دار القْدم
ـ ـ ـ
اعْزاز حادفَوه العَقل ... بِمْواجِع وهو ناطُورهم
"حميد السعيطي"
ـ ـ ـ
ابْطلت كلّ يوم انْطِيْح ... مِن قَول حِمّدَيْن وساهلة
"الناجي بوجهَيم"
ـ ـ ـ
امْغَيْر هو عَذاب النار ... كَوّاي داي ما جا ع الوجَع
ـ ـ ـ
السّا انْدَوّرَك وانْجِيك ... خَلِّيك يا شقا في مَطْرحَك
"موسى بونقاب"
ـ ـ ـ
مشَن أيّام لملاقاة ... واليوم يا غوالِي عَ الْخَبَر
ـ ـ ـ
قطَعْت يا عَزيز لْواي ... حتَّى في منامي نلْتفِت
"إبراهيم سعد"
ـ ـ ـ
اوْحلْت في عَزيز غَشِيْم ... غَلاه جار والصَّوب ما عَرَف
ـ ـ ـ
من خَوف الْملاقا فيه ... مَسْرَب اعزاز مابَيْت نلقْطه
"شمس الدين عمر"
ـ ـ ـ
انْمَيْعِد معَ لَوْلاف ... سماحة الغَلا مَو مْراسلة
"إبراهيم بوعزيزة"
ـ ـ ـ
العَيْن مِن رغَبْها فِيك ... رمِيْش هدبْها مَيْ حاملة
"عبدالكافي البرعصي"
ـ ـ ـ
اللي اليَوم بالتّمْوِيْح ... شرْبَن غَلاه ياما بلَوحِّن
ـ ـ ـ
اللوْعَة طويلة عمْر .. لُو كان الغَلا عاش كَيفّا
"موسى بونقاب"
ـ ـ ـ
ظلامَك يْحُوْز عَزيز ... هَذا عَلَيْش يا لَيل كارْهَك
"عبدالكافي البرعصي"
ـ ـ ـ
باهي اللي مازال ... يمْشِيْ العَقل ويْجي وما اذْهِب
"خليفة الشلماني"
ـ ـ ـ
الناس عِيْدها عَ الْحَوْل ... ونا يَوْم عِيْدي تَوقْته
ـ ـ ـ
نظَر العَيْن تَرْجَى فِيْه ... قَصَّر اخْطاه جَيّاب النّبا
"عاشور بوجازية"
ـ ـ ـ
تقُول كَسَب مَوْش حَلال ... مَنْزُوْع شخْب عَيْنِي للخَلا
"إبراهيم سعد"
ـ ـ ـ

12 ديسمبر، 2009

أيام سبها الثقافية بالصور

من الثامن إلى الحادي عشر من شهر ديسمبر الحالي 2009 انتظمت في مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي (أيام سبها الثقافية).. شعر.. قصة.. مسرح.. فنون شعبية.. استقبلتنا سبها بالدفء.. دفء الطقس.. ودفء الضيافة.. لاحاجة للكلام.. الصور تغني.. وهي بعدسة أحمد يوسف عقيلة والصدّيق أبودوّارة:
عقيلة.. الحجازي.. الحربي.. الرويعي.. عذاب الركابي

الشاعران: عبدالباسط أبوبكر والرويعي الفاخري
الشاعر عبدالسلام العجيلي في السوق الشعبي
الشاعر الرويعي الفاخري
الشاعر عبدالسلام العجيلي
الناجي الحربي وأحمد يوسف عقيلة
الشاعران: عبدالباسط أبوبكر وعبدالسلام العجيلي الشاعر عبدالسلام الحجازي.. والشاعر عبدالقادر العرابي.. والأستاذ اعبيد أحمد الشاعر عبدالعظيم باقيقة.. والشاعر عبدالقادر العرابي.. والأستاذ اعبيد أحمد
القاص حسن بوسيف..
والقاص والروائي الصدّيق بودوّارة..
والقاص إبراهيم بشير
فرقة سبها للموشّحات
الفنان سيف النصر

08 ديسمبر، 2009

السِّجّادة

1
... أَسراب البَط المهاجر تَعبُر سماء قريتنا.. خطوط داكنة.. سِهام مستقيمة تنطلق نحو الجنوب.. أَعناق مَشدودة.. حركة واحدة للأجنحة.. لا تغريد خارج السرب.. يبدو السرب كطائر واحد ضخم معقوف الجناحين إلى الوراء.
... ينخفض السرب خلال الأودية.. أتأمّل البَطة التي تُشَكّل رأس السهم.. جناحان أسودان.. رقبة مُطَوّقة بالأخضر الداكن.. منذ طفولتي وأنا شاهِد على هذا العبور السنوي.
2
... عندما لمحتُ السجّادة الكبيرة في المَحَلّ.. أدركت أنني سأشتريها مهما كان ثمنها.. كانت من الإتقان بحيث خشيت إن اقتربتُ أكثر أن يطيرَ سِربُ البَط الجاثم على ضفاف البِركة.
3
... أَزَحتُ كل الأثاث.. أَخلَيتُ الجدار.. عَلّقتها قُبالة السرير.. بحيث تتسنّى لي رؤيتها أثناء الاستلقاء.
4
... ضَحىً مُشرِق.. النافذة مفتوحة.. الشمس تغمر الفراش.. استسلمت لخَدَر الدفء.. وأنا أحلم بالبط.
... أَيقظني رفيف الأجنحة.. البط يَملأ سماء غُرفتي.. الأجنحة الداكنة اللامعة.. الرِقاب المُطَوّقة بالأخضر.. المناقير والأرجل العريضة.. مددت يَدَيَّ.. وفي لحظة خاطفة اكتظّت النافذة المُشرعة على السماء باصطفاق الأجنحة.
هذه أول مَرّة يحط فيها السربُ العابر.. ربما بسبب الطيور الجارحة.
أخذ وضعه الاعتيادي.. سهم أسود يُوغِل في الجنوب.
الْتفتّ إلى السجّادة.. كان سطح البِركة يتموّج.. دون أيّ أَثرٍ لسِرب البط..!
***
(2003)

02 ديسمبر، 2009

شَيْطان التفاصيل

( إلى محسن الرملي )
1
... هي ترعَى بقراتها في السفح الشرقي..
هو يرعَى ماعزه في السفح الغربي..
والوادي بينهما.
2
يجلس فوق صخرة.. مزماره يَصْدح..
تتكيء على جذع شجرة.. يُغربلها النغم.
3
الماعز والأبقار يُغريْها عُشب السيل..
تهبط خلف بقراتِها..
ينحدر وراء ماعزه.
4
يخرج من الدغل إلى فُسحة الوادي..
تنبثق من بين الأغصان..
تتلاقَى أعينهما.
5
الثور يتشمّم البقرة..
فَحل الماعز يُخرج لسانه.. يبول على أنفه.
6
يتطلّع إلى جرح السيل الغائر..
تتطاول على مشطي قدميها.
7
القُمْري يُطارد الحمامة من غصن إلى غصن..
الكلبة تتمرّغ أمام الكلاب.
8
يجلس على حافّة مَجرى السيل..
تجلس على الحافّة المقابلة.
9
العَنْز تستدير.. تَجذبُها رائحة الفحل..
بين الحافّتين تتلامس أقدامهما عَرَضاً.
10
زوج من الغربان يتشاكسان على ارتفاع منخفض.. يتلامسان بالأجنحة.
11
ينتقل إلى حافّتها..
توسِّع له قليلاً..
يلمس يدها بأطراف أصابعه..
تلذعها الأصابع.
12
... تنحدر الشمس خلف الغابة.. تُلوّن أطراف السُحب الطافية فوق الوادي.. تتبدّد العتمة في الحنايا.. وبعيداً في أسفل المنحدَر يعوي ذئب.
***
(2009)