02 مارس، 2015



هشاشة
 
قصة قصيرة.


     ... تثبّت الحقيبة المدرسية على كتفيه.. (قبل أن تعبر الطريق عليك أن تنظر إلى الجهتين).. تضع الساندوتش الملفوف في ورق قصدير في جيب الحقيبة الخارجي.. (إذا.. إذا حدث.. يا الله كيف أقول ذلك؟ إذا حدث انفجار عليك أن تلتصق بالأرض.. لا أعرف إن كان ذلك سيُجدي).. يهزّ رأسه بعصبية (أعرف يا أمي.. لقد علّمونا وضع الانبطاح بعد سماع الانفجار).. تغمض عينيها (الانبطاح..!! يا الله لماذا ننجب في زمن الحرب؟).. تضع يديها على كتفيه.. تتأمّله.. تملأ عينيها منه (هل تخشى أن تكون هذه المرّة الأخيرة التي تراه فيها؟).. ترسم حوله دائرة بإصبعها.. تقرأ المعوّذات.. (لا تقترب من البركة المحاذية للطريق.. حتى لا تلوثك السيارات).. تنظر إلى اهتزاز الحقيبة فوق كتفيه الصغيرتين.. (هناك كلب أجرب تحت السيارة التي انفجرت الأسبوع الفائت.. يتودد إلى المارّة.. لا تلمسه).. تخطو خلفه.. (انتبه.. كثير من السائقين لا يبالون بالإشارة الحمراء).. يلتفت (أعرف يا أمي.. حفظتها.. تقولين لي ذلك كل صباح)..! لم تنتبه إلى أنها لاتزال تخطو خلفه.. (وجودنا هش.. انفجار.. أو سيارة عابرة.. أو فايروس لا يُرى بالعين المجرّدة.. أو حتى كلب أجرب من الممكن أن يهدّد وجودنا.. يا الله لماذا نحن كائنات سريعة العطب؟).. تماوجت صورته في عينيها الممتلئتين بالدموع وهي لاتزال تردّد (نحن كائنات سريعة العطب.. كائنات سريعة العطب).

***
(2014)


في الظل
 
 قصة قصيرة.


1

   ... قيلولة.. شجرة بلّوط ضخمة في مجرى السيل.. حرباء تصعد مع ساق البلّوطة.. عين إلى الأمام.. عين إلى الوراء.. تعاين الألوان لتأخذ التمويه المناسب.

2

   ... أفعى تتكوّر داخل شق في أعلى الساق الخشنة.. يبرز رأسها كعودٍ داكن.. ترصد الحرباء دون أدنى حركة.

3

   ... بومة تدور تحت الظل في طيرانٍ صامت.. تحط على الصخرة الكبيرة المتكئة على الساق.

4

   ... الجندب الصادح في أعلى البلّوطة يكفّ عن الغناء.
... وفي سماء الوادي مزنة بيضاء.. تعبر.. وتتلاشى...

***
(2014)



على هامش المعركة


قصة قصيرة.


 1

... صباح ماطر.. الصخور النديّة تلمع في السفوح.

الجنود العائدون من معركة البارحة يتحدثون عن المجد.. ويغنّون النشيد الوطني.


2


... آمر الكتيبة يخرج من جيبه دفتراً صغيراً مجعّداً.. أصابه البلل.. يراجع عدد الضحايا وأسماءهم.. يتحسس جرحه بفخر.. لا يلتفت إلى الصخور النديّة التي تلمع في السفوح. 

3


... حين يصلون إلى مشارف القرية يرفعون أصواتهم بالنشيد الوطني.. يجعلون خطواتهم أثقل.. يحرص الآمر على أن يكون جرح رقبته ظاهراً.. غير أنه لم يسجّل في دفتره المجعّد أعداد الحلازين الملوّنة التي داستها أحذية الجنود الخشنة.. الموحلة.. وهم يغنّون النشيد.. ويتحدثون عن المجد.


...
في تلك اللحظة.. سرب من غربان الصباح يعبر الأفق...


***
(2014)




عذر..!!
 
قصة قصيرة جداً.


   ... قالت الزوجة من خلال دموعها:
ــ بعد أربعين عاماً تريد أن تتزوّج علّي.. بماذا قصّرتُ في حقك يا خائن العِشرة؟
حكّ الزوج خلف أذنه.. وقال:
ــ أنتِ لم تعودي تُحسنين صنع الشاي..!!

***
(2013)



إحصاء
 
 قصة قصيرة جداً.


بعد الانفجار.. يحصون الخسائر:
الجثث.. الأشلاء.. البيوت المهدّمة.
لا أحد يحصي جثث العصافير.. وأعشاشها الملطخة بالدم..!!

***
(2014)