28 يوليو، 2009

صَيْد الليل

1
ــ صيد الليل لا يخرج في القَمْراء.
ــ وإذا خرج يحتمي بظلال الغابة.
ــ القمر هذه الليلة يتأخّر.
ــ يبقى علينا أن نسرع في الخروج.
ــ سيكون ذلك بعد المغرب مباشرة.
قال صويلح:
ــ سأذهب معكم.
ــ لا.. الصيد يحتاج للصمت.. وأنت لا هَمّ لك سوى الثرثرة.
ــ سأصمت.
ــ لن تذهب.
ــ إذن سأنتقم منكم.
ــ أنت؟! درويش مثلك ماذا في وسعه أن يفعل؟
2
... كانوا على مشارف الغابة.. يتنكبون عصيَّهم.. تتقدمهم كلابهم.
ــ عطيّة عنده كلب مُحتَرَم!
ــ كلب مُحتَرَم؟!
ــ أَعني كلب جيد للصيد.
ــ اسكتوا.. وصلنا.
أخذت الكلاب تنثر.. تُنظِّف أنوفها.. وتتشمَّم الهواء.
بدأ الكلام همساً..
ــ ستجدون هذا اللعين حيث يكثر الرِّينش.. فهو طعامه المُفضَّل.
في المنحدر.. وسط الصخور.. تجمَّعت الكلاب.. تدسُّ أنوفَها في بعض الحُفَر.
أدخَل أحد الصيادين يده في الحُفرة.. ثم همس:
ــ التراب ساخن.
شرعت الكلاب تعدو.. أنوفها في التراب.. يجرون خلفها.. توغلت في الغابة.. صعب اللحاق بها.. حين اشتدَّ نباحها وهَريرها.. أدركوا أنَّ الفريسة قد وقعت.
في إحدى الخلوات.. وسط الغابة.. كانت الكلاب تحاصر صَيْد الليل.. يدور.. يوجِّه أشواكه ناحيتها.. حريصاً على حماية رأسه وأرجله.
وقفوا يتفرَّجون.. وهم يرفعون عصيَّهم.. تلك إحدى لذائذ الصيد.
الكلاب تهرّ.. لعابها يتساقـط.. تجرَّأ أحدها.. قفز فوق ظهر الفريسة.. ثم قفز مرّة أخرى إلى الخلف.. يتلوَّى ويعوي بذعر.. وقد انغرز الشِّيْص في صدره.
أحست الشاةُ باليأس.. وبعدم جدوى المواجهة.. فأرادت اختراق الطَّوق.. فالْتقطها الكلب من رِجلها وقلَبها على ظهرها.. تلك نقطة الضعف القاتلة في هذا الوحش المُدَرَّع.
3
... لم يطلع القمر حتى اصطادوا ثلاث شِياه.
أخذوا يتفقّدون خسائرهم.. فلَيلةٌ مظلمةٌ كهذه لا تخلو أبداً من جِراح.. كانت سيقانهم تنْزف.. بسبب الأعواد.. والصخور المُسنَّنة.. كما كان انتزاع الشِّيْص من صدر الكلب أكثر مهام الرحلة صعوبة.
4
... أخذ الدرويش يضحك..
ــ الذي أعرفه أنَّ الناس توفِّر الطعام للكلاب.. أمّا أنتم فناس تُطعمهم الكلاب! أنا لا أستسيغ حتى مجرَّد التفكير في هذا.
وقع على ظهره.. يقهقه.. يدقُّ الأرض بقدميه الحافيتين.. يضرب الأرض بقبضتيه.. مستغرقاً في ضحك هستيري.. عيناه تدمعان.. وهو يُردِّد:
ــ رجال تُطعمهم الكلاب.. رجال.. تُطعمهم.. الكلاب.. عَيب عليكم.
تلاقت نظرات الصيادين.. ثم حَوَّلوها إلى الكلاب التي تَهزُّ ذيولها وتدور حولهم.. وبدأت أيديهم تتراخى عن الفرائس...
(1999)

25 يوليو، 2009

طَرِيق تحت أَعْشَاش الطيُور

1
... أشجار العَرعَر مُلتفَّة الأغصان.. مُثقَلة بالزّنْباع الأخضر.. حُبلَى بالأعشاش.. تنهض من وسط الصخور التي تُؤطِّر طريق (وادي الكُوْف).. الأعشاش مركوزة بين الأفرع المُمتدَّة التي تُظلِّل الإسفلت.
2
... تزدحم الأعشاش بالمناقير المفتوحة.. بالأجنحة التي ينحسر عنها الزَّغَب.. العصافير تصعد فوق الأعشاش.. تتقافز بين الأغصان.. ترفع رؤوسها إلى السماء الزرقاء المُتعرِّجة بتعرُّجات الوادي.. تُجرِّب أجنحتها تحت إغراء الفراغ.. تخذلها الأجنحة.. تسقط لاهثةً فوق شريط الإسفلت الأسود الساخن.. دون اكتراثٍ للهدير الآتي من خلف انحناءة الطريق.. تُحاول الطيران مُجدَّداً.. تصطدم بالجدران الصخرية الملساء.. لا تجويف.. لا نتوء يمنحها مرحلية الصعود.. لا شِبر فُسحة بين الإسفلت وبين الجدار.. تسقط ثانيةً.. ومن خلال الضجيج القادم من بعيد.. الضجيج الصارخ لاحتكاك الإطارات بالإسفلت الخشِن.. لا يبدو سوى الطريق الأسود المَزْرُور بين حافتَيّ الصخر.
(2002)

22 يوليو، 2009

الْمَفْرَش

1
... أحضرت زينب أدوات التطريز.. عُلبة الإبَر ذوات الأحجام المختلفة.. وسَلَّة المكبّات.. والْتقطت كبَّة سلك بيضاء. ــ سأصنع مَفرشاً يُغطِّي الطاولة الكبيرة.. أو ربَّما سأُعلِّقه على الجدار.. لكن.. من أين أبدأ؟ ماذا أرسم؟
أخذت تُدير الكبَّة بين يديها.. وهي تفكِّر.
شردت أفكارها.. بدت ساهِمة وهي تُحلِّق في آفاقٍ بعيدة.. وتوقَّفت كبّة السلك عن الدوران.
أفاقت.. الْتقطَت الإبرة.
ــ سأبدأ برسم الخلفيّة.. في المنتصف سأُقيم بيتاً صغيراً بطابقين.. لا.. لا حاجة للطابقين.. بيت صغير فقط.. أمام البيت شجرة.. فوقها عصفوران.. يقفان بالقرب من عُشِّهما.
أخذت طرَف السلك.. قذفت بالكبّة بعيداً.. وبدأت الغُرزة الأولى.
بين أنامل زينب أخذت الأشياء تتشكَّل.. البيت.. الشجرة.. العصفوران.. العُشّ.. شمس ذهبية تتربَّع فوق حافَّة الأُفق.. أضواء.. ظِلال.. كانت زينب هذه المرَّة تصنع الآفاق.
2
... اكتمل المَفرَش.. أمسكتْه بأطراف أصابعها.. نشرتْه أمامها.. أخذت تتأمَّله.. تتملاَّه.
صعدت الشمس.. تحرَّكت الظِلال.. اهتزَّت الأغصان.. اقترب العصفوران من بعضهما.. انفتحت النوافذ.. تسلَّل شُعاع الشمس إلى غُرَف البيت.. دقَّت الطبول.. انطلقت الزغاريد.. دخل العصفوران عُشَّهما.. غمرهما الدفء.. أخذا يتناغيان.. وتحت الشجرة ظهر طفلٌ يَحْبو.
(1995)

20 يوليو، 2009

الأرض وما عليها

احتفاء بقصص أحمد يوسف عقيلة
(قراءة في مجموعة "غناء الصراصير")
د . محمد محمد المفتي
لست بالناقد الأدبي.. بل أعترف أنني لست حتى بالقارئ المثابر للروايات والقصص التي كثيراً ما أهجرها قبل أن أكملها.. لملل لا أعرف مصدره.. ولهذا اخترت كلمة (احتفاء) في العنوان حتى لا يظن القارئ أنني بصدد عرض نقد تفكيكي أو سيميائي .. لمجموعة (غناء الصراصير) للقاص (أحمد يوسف عقيلة).
على أية حال بعث لي المؤلف بنسخ من أعماله الأخيرة.. هدية منه.. ولم الْتقه بعد! وقرأت المجموعة إبّان رحلة على الخطوط الجوية.. التي بالمناسبة.. بدأت تضع نُسَخاً من المجلات الليبية.. ومنها مجلة المؤتمر.. في حافظات ظهر الكراسي.
لغة الصك المصدق
شدتني في هذه المجموعة لغة المؤلف الطازجة والجديدة.. أسلوب متقشف/مقتضب/رشيق.. لا أجد وصفاً دقيقاً.. لكنه أقرب إلى لغة العلم الوصفية.. وإلى أسلوب الكتابات العلمية في عصر النهضة العربية الإسلامية قبل قرون.. أسلوب خالٍ من المحسنات العتيقة.. وهو أسلوب لم يحفل به لا الأدباء المعاصرون المأسورون بتراث كتـّاب الرسائل في دواوين الدولة الإسلامية.. كما لم يحفل به واضعو مناهج النصوص المدرسية.. ولو أردت وصف أسلوب (أحمد يوسف عقيلة) بدقة أكبر لقلت إنه أسلوب على درجة لافتة للاقتصاد.. أقرب إلى تقارير المصارف.. دونما استطرادات أو حشو.. وحتى لا يزعل الأدباء.. دعني أُذَكِّرهم بأن الشاعر الإنجليزي/الأميركي.. شاعر القرن العشرين (ت.س.إليوت) كان موظفاً في مصرف!
فالعجوز رابحة: (بلباسها المعتاد.. رداء أحمر.. تُقَطِّعه خطوط صفراء متصالبة.. شال أحمر داكن.. جورب مُخَطَّط .. حذاء مطاطي أسود.. وشم غابر.. وتكليلة)(ص34). والخَرّاز (الإسكافي): (ألفت يده المطرقة..ألفت ركبتاه الانثناء.. اعتاد ظهره على الانحناء.. ولم يعد أنفه ينكر رائحة الحذاء)(ص41). صور فوتوغرافية.. موحية.. دونما تصنُّع.. ودونما لغو.
صور متموجة
لكن صور (أحمد يوسف عقيلة) لا تبقي ساكنة.. بل تكتسب حركة سينمائية.. بل وبخياليةِ ديزني: (خرجت الصرخة.. صعدت.. تلوّت.. انداحت عبر شوارع قريتنا.. تنزلق فوق الجدران المتقشرة.. من تحت زوايا السقوف.. تقتحم الأبواب والنوافذ.. تتسرب من خلال الشقوق.. صرخ الجنين الذي كان متعسر الولادة..)(ص42).
أم أنه أنطقَ ـ في هذه الفقرة ـ لوحةَ (الصرخة) الشهيرة للفنان الانطباعي (إدموند مونخ)؟ ولكنها هذه المرة رُسِمت بحروف.. في قرية (عمر المختار)!
من خلال لغته البسيطة.. وإيقاعه السهل تحفل قصص (أحمد يوسف عقيلة) بالرمزية التي تماس السريالية.. لكنه يبقي سلساً مباشراً.. أقدامه دائماً على الأرض.. ليصف لنا أرضاً يراها كل صباح ومساء.. حيث يُقيم عند ذروة الجبل الأخضر.. وحيث تنحدر السفوح والوديان شمالاً نحو الغابة.. غابات البطوم والشعرا (العرعار) والشماري والسرو.. وجنوباً إلى منطقة (الجِشّة) شبه العارية إلا من نباتات الشيح والزعتر الخفيضة اللصيقة بالتراب.. وحيث تتدفق مياه السيول في الشتاء لتكوّن بحيرات ضحلة واسعة.. تسمّى (البلَط).. على مشارف الصحراء.. مرايا صقيلة وطرية.
ولأن الأرض لا تبقي في الذاكرة إلا بما يدور فوقها من حياة.. يتحفنا الكاتب بفقرات مثل: (..الدخان يترك ذيلاً أسود يسبح في المدى.. الأصوات المختلطة تبعث على الألفة والدفء.. التحايا الصباحية.. رغاء الإبل.. ثغاء الماعز.. وضحكات الأطفال وهم يطاردون الجديان في المراح)(ص51).
الرعب المتوجس
هذه الصور الرومانسية آخذة في التلاشي.. حتى في مكان مثل الجبل الأخضر.. الذي رغم غطائه النباتي الكثيف من أشجار البطوم والشّعَرا والسرو.. استسلم لزحف الحياة العصرية.. من شبكة الطرق العنكبوتية ومباني خرسانية وصحون استقبال الأقمار الصناعية.. ناهيك عن شكاير النايلون العالقة في أشواك الشجر قرب كل قرية.. لتلمع عن بعد كما طيور بيضاء دون حراك.. لكن الأنكى هو نقص مياه الشرب وتسرب مياه المجاري.. وهى أمور لا علاقة للأدب بها.. بل تهم المخططين وخبراء البيئة.. لكنها وليدة التكاثر السكاني المنفلت الذي لم يبدأ العرب بعد حتى التفكير في ضبطه.. وإنما أذكرها لأنها المواضيع الأكثر إلحاحاً على ذهني.. وإذا استمرت فلن يجد أدباء المستقبل ما يكتبون عنه سوى الجوع والعطش والفوضى!
ولكن يا ترى.. هل مثل هذه الهواجس.. تفسر لنا إحساس (أحمد يوسف عقيلة) المتكرر بخطر غامض مداهم؟ أم أنّ عقله الباطن يُعيد صياغة مخاوف الإنسان من المداعبات المرعبة التي ترمينا بها الحياة والطبيعة بين الحين والآخر؟
القطة.. ذات العواطف البشرية.. تضطر إلى الخروج بحثاً عن طعام لتجد ما ترضع به قطيطاتها.. لكنها تجد عند عودتها أن (..لا شيء سوى نُتَفٍ من الوَبَر.. وبُقَع من الدم!) (ص29).. لكن المفاجأة المرعبة كانت من حظ الراعي الذي اجتث ترفاسة وأشعل ناراً: (.. يستمتع بطقطقة الأعواد اليابسة.. وتلذذ اللهب بالتهامها.. توهج الجمر.. أخرج الترفاسة.. وضعها فوق سرير الجمر.. وجثا بقربها.. نضح عرقها.. فاح عطرها.. تشققت.. برز رأس ناعم.. انطلق الرأس الناعم يسحب خلفه الجسد الأملس المتلوّي.. انتبه.. ينظر بذهول إلى شظايا الترفاسة.. والى الأفعى وهي تبتعد منزلقة بين صخور..) (ص50).
مَخضُ اللغة
لغة (أحمد يوسف عقيلة) لغة طازجة.. متحررة من الإنشاء.. والى حد كبير حتى من واو العطف.. فعباراته صُوَر مستقلة متلاحقة.. بل إنه لا يتحرج من مفاجأتنا بنحت جديد للكلمات.. مثل الأصباح (جمع صباح).. والأشفاق.. والقطيطات والعصيفرات.. ولِمَ لا.. فنحن بحاجة إلى توسيع معجمنا ما أمكن..
ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يستعمل الكلمات العامية: (تِسْبت العجين/تمخض القربة أوالحليب/الجَلّة"روث الغنم الجاف الذي يستعمله البدو لإيقاد النار"/تْحِتّ "تنثر"/الصهد "الوهج"/يشخب "ينبعث بقوة للسائل كالحليب والدم"/المراح "باحة الغنم"/يفَلّي "يلتقط القمل/الشمس حجّت "غربت"/العصيدة/طيور النيسي..) وهكذا.. ولا يسعني إلا أن أهنئه على حرصه على التواصل مع قرائه.. بقدر حرصه ألا يؤذي عيونهم بتراكيب متحجرة.
مجهر العوكلي
لكن مجموعة قصص (غناء الصراصير) مهمة أيضاً لسبب آخر.. وهي مقدمة المجموعة للشاعر (سالم العوكلي) الذي أراه شاعراً وناقداً متميزاً واستثنائياً على الساحة الأدبية الليبية.. وقد التقط (العوكلي) في ست صفحات.. خصائص عطاء (أحمد يوسف عقيلة) ولغته الجديدة.. فيشير إلى إيغال الكاتب في التفاصيل.. وتشابك ذاته مع البيئة.. وهيامه اللامحدود بالحَكايا.. وذاكرته الشعبية.. واتصاله بالأرض.. وحضور الحيوانات كلازمة درامية.. وسخريته.. وأنّ علينا ألا ننتظر الموعظة في نهايات قصصه.. بل علينا أن نفتش عن أنفسنا في ثنايا ايحائياته. ويشدد (العوكلي) على الدلالة الهامة لهذه المجموعة القصصية عندما يستشهد بعبارة الروائي الأميركي وليم فولكنر الذي قال: (لقد أصبحتُ كاتباً عندما اكتشفت أنني أستطيع أن أكتب عن قريتي)!
فهل لي أن أذهب إلى أبعد من ذلك؟ لقد عثر (أحمد يوسف عقيلة) على إحدى المعادلات الصعبة.. ألا وهي كيفية التعامل مع تراثنا الشعبي دون إسفاف أوسذاجة سردية رتيبة.. ورغم بعض المآخذ.. إلا أنّ قصصه ترنو من مستوى جديد قريب مما نراه لدى قصّاصي العالم اليوم.
وأخيراً.. تبقى هذه المجموعة القصصية رائعة واختراقاً للمألوف.. وعسى أن يقرأ هذه المجموعة كل مهتم بالأدب لدينا.. ولعلها تفتح حوارات نحن بحاجة لها.. لأنها كُتِبت بعصا راعي يقلب بها الثّرى (التراب الرطب الفَوّاح برائحة المطر في أول الشتاء).. ويراقب أحداثاً تحت مستوى القدمين.. وهي نقلة هائلة في بيئة أدبية كثيراً ما تخدع نفسها بالتطلع إلى السماء والنجوم.
***

04 يوليو، 2009

الممْحاة

1
... أقَلِّب الممحاة الجديدة بين أصابعي.. أتأمّلها.. نصفها أبيض.. نصفها الآخر أحمر داكن.. أفضّ الورق الشفّاف.. ملمس ناعم.. جسد رطب بعض الشيء.. لها رائحة تحار في تحديدها.. مسحوبة من الطرفين.. أستخسرها في أخطائي!
2
... الممحاة تَجْهد.. أخطائي تتراكم.. تصرخ المحّاية:
ــ على مهلك.. لا تسحقنِي.
ــ أنتِ لستِ ممحاة جيّدة.
ــ أخطاؤك كثيرة.
ــ الأخطاء سبب وجودك.
ــ عندما أرسلوني من وراء البحار كنت أتساءل: لماذا أقطع كل هذه المسافات؟ أي نوع من الأخطاء ينتظرني؟ لماذا تخطئ أصلاً حتى تحتاج إلى ممحاة؟
3
... أحسّ بالإشفاق على مِمْحاتي.. ولكن..
... مِمحاتِي تصغر.. تتقلّص..
ــ أيّ الخُطاة ذلك الذي فكّر في اختراع الممحاة؟!
... تتنحَّف جوانبها.. تتآكل..
ــ لماذا وُجِدت فكرة الخطأ أصلاً؟
... يبهت نصفها الأحمر الداكن.. تتضاءل..
ــ إلى كم ممحاة سأحتاج؟
... تضمر.. تتفتّت.. فتاتها يعلق بالورقة...
ــ ماذا لو تركت أخطائي دون محو؟
... ... ... ... ... ... ...
***
(2009)