1
في طفولتي سمعت حكايات الحرب ضد الطليان.. وعرفت أن جدّي لأمي قُتل في تلك الحرب.. وعمّي شطرته قنبلة إلى شطرين.. وأبي تزوّج أمي في معتقل المقرون.. وكل من استمعت إليه كانت له حكاية عن الموت والفقد.. وتقول أمي وهي تشير إلى أثر الشظية في رقبتها: (كل هذا على شان الوطن).. وعلى الرغم من أن كلمة الوطن لم تكن واضحة في ذهني.. إلاّ أنني تصورته شيئاً عظيماً يتلقى الناس شظايا القنابل في رقابهم من أجله.. بل ينشطرون من أجله.. ويزغردون لمن يتدلى من حبال المشانق في سبيله.
2
سمعت أبي يتحدث عن النفي.. وكيف ينتزعون الرجل من بين أطفاله ويعبرون به البحر إلى جزر نائية.. وأبي حين يذكر البحر يغمض عينيه مع ارتعاشة خفيفة.. ويقول في ختام حكايته (كل هذا على شان الوطن).. وكبرت صورة الوطن في نفسي.. هذا الكائن العجيب الخرافي الذي يغادره الناس من أجله..!
3
في المدرسة انتزعونا من الفصول في يوم بارد ماطر.. جمعونا في ساحة المدرسة.. وقالوا لنا: (الوطن في خطر.. قطار الموت يتجه نحونا بسرعة فائقة).. وقلنا ضاحكين: (كيف لقطار الموت أن يأتينا وليست في بلادنا سكة حديدية؟!).. وكانت الإجابة عند الضابط.. صرخ فينا.. وأعطانا إيعازاً بالانبطاح.. زحفنا على بطوننا.. تلقينا أحذية العساكر على مؤخراتنا.. مع سيل من الشتائم النابية.. وحين نهضنا مقرورين.. مموّهين بالأوحال.. ورُكبنا تسيل دماً.. ورآنا الضابط نرتجف.. قال لنا وهو يضحك.. (كل هذا على شان الوطن).. أحسسنا بشيء من الزهو لأننا زحفنا على بطوننا في الأوحال.. وداستنا الأحذية الخشنة من أجل الوطن..!
4
سمعت مذياعنا يغني للوطن:
وطنّا يا وطنّا..
في الظرف الشديد..
أنده يا وديد..
ندفع بالغالي النفيس..
واقرب من حبل الوريد..
والغالي يصبح لك رخيص.
5
فجأة.. اصطفت الحافلات.. وقال لنا الضابط.. (هيّا.. حملة تشجير).. لكنّ الحافلات دخلت إلى المطار العسكري.. وحملتنا الطائرة الروسية الضخمة على الفور إلى الصحراء.. وحاربنا هناك بعيداً عن الوطن.. حاربنا أناساً لا نكرههم.. بل لا نعرفهم.. وقال لنا الضابط (هذا على شان الوطن).. لكننا لم نصدّقه هذه المرّة.. ففررنا.. تركنا سلاحنا.. ورفاقنا الذين قُتلوا بدون أن ندفنهم.. تركناهم هناك بلا قبور.. ولا صلاة من أجلهم.
فاللعنة على وطن يجعلنا ننبطح ونزحف على بطوننا في الوحل.. اللعنة على وطن يجعلنا نتلقى أحذية العساكر في مؤخراتنا.. اللعنة على وطن يبذرنا في المنافي.. اللعنة على وطن يتحول إلى غول تنشطر أجسادنا من أجله دون أن يشبع.. اللعنة على وطن يُصفع فيه بائع الخضار لأن عربته التي أكلها الصدأ مرّت من أمام مبنى الحكومة الصدئة.. اللعنة على وطن يحارب فقراؤه فقط من أجل رفاه أغنيائه.. وألف لعنة على وطن يلتهم ولا يعطي...
... ورغم هذا.. فإننا نموت عشقاً لوطننا.. فنحن من سلالة أناس تشظّت أجسادهم من أجل هذا الوطن اللعين.. وورّثونا جيناتهم.
***
الجمعة 2011.1.28
كلام رائع جدا ينقصة شئ واحد وهو ان الوطن اخد رجالا لن يكون بدونة وطن
ردحذفان الوطن سيرة عدوا للوطن
ان الوطن اصبح مداسا لغير اهله
ان الوطن لم يعطي اهله الحنان حتى يكون في نظرهم هو الوطن
اخوك علي الحوتي
لله درك أستاذ أحمد ...
ردحذفالآن السؤال هو :
هل أنت وطن , أم قاتل , أم مقتول ..؟!
ما رأيك ...؟!
إحترامــــــــي ..
وماذا عن الصمت عن طقوس جنائز تقام للوطن في قلوبنا في صمت عن جثت تتعفن في قلوبناوتسمم أبداننا محلة العفن والسم بالصراخ ..أهي أيضا طريقة في حب الوطن ..؟؟!!!
ردحذفناصر غانم:
ردحذفابدعت في سردك الزمني للأحداث وأبدعت في "لعنك" لذلك الوطن الذي أُجبرنا للتضحية من اجله وأقصد بالهاء في كلمة أجله بذلك الإله الذي يمشي على قدمين ويريد الناس أن تعبده .يشبه نفسه بالله عز وجل وشتان بين الإله والشيطان...جميل جداً معنى مقالتك ولكن قبيح جداً اللفظ الذي استخدمت ألا وهو اللعنة على الوطن.. بل اللعنة على من استغل الوطن. شكراً
ياترى هل الامربكي الذي زج به في العراق وفيتنام وافغانستان وغيره من حروب الصقور يقول نفس الشيء
ردحذفالف شكر على المقال
ردحذفلم احب العنوان
أكاد أؤقن أنّ الوطن خرااااااااافة .
ردحذف"رابيا"
السلام عليكم ... اللعنة على من جعلونا نلعن الوطن ... على من لطخوا حبنا للوطن وحب الوطن لنا ... فقط ليفرقوا بيننا وبين الوطن ... ترى أيهم كان أقوى أنذاك ؟ حبنا للوطن ! ... أم حبنا لذواتنا التي أنستنا الوطن ! ... تأخرنا كثيرا حتى انتبهنا أنه لن ينبض إلا بحبنا ... ... ... N . m
ردحذفليس اللعنه علي الوطن بل علي من جعل الوطن ذريعه لجنونه فيدفع فتيان ثمن حروب نحن لانفهمها ولانعرفها ولانحس بماذا سوف يقدم لنا
ردحذفأحبك ياوطني احبك ولو كنت واحه ونخله صحرآ قاحله وشمس حارق ولاكن عندما تكون موتا ينزف بنا فلعنه والف لعنه
ردحذف