الناس تَحنّ إلى أوطانِها حين تغترب عنها.. أمّا نحن فيأكلنا الحنين إلى وطننا ونحن فيه! هذه ليست عاطفة زائدة.. بل بسبب إحساسنا بأننا لا نمتلك وطننا.. يُلازمني دائماً إحساس بأنني قد أفقد وطني في أيّة لحظة.. ليس بسبب تدخُّل خارجي.. فالتدخُّل الخارجي يُعزّز الشعور بحب الوطن.. ولكن لأنّني أرى وطني يُجرَف بالجرّافات العملاقة.. وتُشعل النار بقصد في غاباته.. تحت حُجَج مختلفة.. ومن جهات ليس لديها انتماء أو تعلّق بالوطن.. الوطن بالنسبة لهم مُجرَّد سلعة.. من الممكن أن يفقد المرء وطنه وهو فيه.. يوضع في زاوية ضيّقة مُعتِمة.. ذات كوّة صغيرة مُقَضّبة في أعلى الجدار.. وساعتها لن يرى إلاّ قطعة من السماء تُقطّعها قضبان النافذة الصغيرة.. لكنّه لن يرى الأرض.. من هنا ـ ربّما ـ جاء تعلّقي بالمكان في كل قصصي.. المكان هو الشخصيّة الرئيسة في قصصي.. هو البطل الحقيقي.. محاولة للالتصاق بهذا الوطن.. ولو على الورق!
حين أرى القبور المتناثرة في أودية الجبل الأخضر.. قبور أولئك الذين قٌتِلوا في الحرب ضد الطليان وهم ملتصقون بهذه الأرض.. و(التوامج).. متاريس الصخر التي كانوا يتحصّنون بها.. يُداخلنِي إحساس بالخطيئة.. وأستغرب كيف ندوس هذا التراب بأقدامنا! أمَا من طريقة أخرى للمشي دون أن نلمس هذا التراب؟!
أخبرتْنِي أُمّي عن مقتل (عبدالرحيم بوبكر البَيّ) سنة (1926) في (وادي العَقّارَة) بالجبل الأخضر في معركة ضد الطليان.. وأكلت من جُثّته الذئاب.. ورثاه الشعراء:
راعِي الجواد اللي لذِيْذ مسارَه .. باتَن عَلَيْه اذْياب فِي العَقّارَة
يا الله.. مات من أجل وطنٍ شاسِعٍ لَم يتَّسع لِجَسده.. فذهب في بطون الذئاب! وما أكثر الذين ماتوا من أجل هذا الوطن الشاسع ولَم يتّسع لقبورهم! ماتوا في الخفاء.. لا شواهد على قبورهم.. أولئك الذين يفضُّون بَكارة الفَجْر.. مُنحنِيْن خلف محاريثهم ومناجلهم.. وفوق آبارهم.. مع أغنامهم وإبلهم.. لا يعرفون القَيلولة.. الْمُكْتَحِلِيْن بالتراب.. الْمُتعطِّرِيْن بالشِّيْح والزَّعْتَر.. الْمُسارعين إلى ضيوفِهم حُفاةً.. الْمُتمترسِيْن بالعَراء.. الشاهرين صدورَهم الْحاسِرة للَفْحِ القِبْلي.. الْمُتضرِّعيْن بالغناوي إلى السماوات القاحلة:
يا كريم هات الغَيث .. الوطن صاف واولافي جلَوا
الراحليْن خلف الغَيْم.. الْمُزغردِين للسَّيل.. الذّائحين في شتات الْمَهاجر.. التائهين في منافِي إيطاليا وبَرّ الحبَش.. الْمُدَجَّجيْن بالانتظار.. الْمُسَيَّجِيْن بالخوف داخل المعتقَلات.. الذّائبين شوقاً إلى أوهامهم ومراعيهم.. وخلاءاتِهم الشاسعة:
امْرايف ارْياف الطَّيْر.. عَلَيْ اعْطَيْر واوْهام فاجْية
الذين إذا رحلوا حملوا معهم تُربة أرضهم في صُرّة.. ليستنشقوا ريْحها.. ويَخْلِطونه بالماء ويشربونه.. ليُخَفِّف من حُرقة الحنين.. قَتَلَهم الْحَنِيْن.. أكثر مِمّا قَتَلَهم الرصاص! لا أجد فَظاعة أكثر من حَشْر شَعْبٍ من طبيعته الرَّحِيل داخل أسلاك شائكة.. ثُمّ يأتي (برلسكوني) رئيس وزراء إيطاليا.. يأتي الآن بعد حوالي قَرْن.. ويُقَبّل يد (محمد عمر المختار).. يا الله.. هل تكفي قُبلة؟ هل تَمحو قُبلة فظاعة أربعة وثلاثين عاماً من الاحتلال؟ هل تكفي قُبلة السيد (برلسكوني) لنسيان إبادة نصف الشعب الليبي وتشريده في المنافي والمعتقلات؟ ولماذا هذا الغَزَل الآن؟ هل هي كعكة الاستثمارات والنفط والغاز؟ أم الخوف من هجرة الجنوب؟ لماذا تأخر الاعتذار قرناً كاملاً يا سَيّد (برلسكوني)؟ أم إنّك لم تكتشف إلاّ الآن أن بلداً على الشاطيء الآخر اسمه (ليبيا) ـ مساحته تفوق مساحة إيطاليا بأكثر من عشر مرات ـ كان مُحتّلاً من قِبَل إيطاليا؟!
على كل حال.. الليبيون يُجيدون شيئاً اسمه التسامح.. والنسيان.. إلى درجةٍ تستعصي ـ أحياناً ـ على الفهم.. لنقل إنّ ذلك أصبح من الماضي.. ونُسامح.. لكنّ هناك فارقاً شاسعاً بين مسامحة المستعمر وبين التغزّل فيه والتزلُّف له.. وكأنّ الجَلاّد حين يعتذر للضحية فهو صاحب جميل! فلنسامح.. فالتسامح سلوك حضاري.. لكن دون أن ننسى.. فالعرب قديماً قالوا: لعن الله من لَم يُسامح.. ولعن الله من ينسَى!
***
فى كثير من الاحيان اقول فظاعات الطليان ارحم من فظاعات ابناء جلدتى
ردحذفواعتقد ان معظم فظاعات الطليان كانت تتم بايدى ابناء جلدتى كذلك
بيرسكونى لم يقبل طلبا للسماح بل طلبا للمال وهذا شى معروف للصغير والكبير
اعتقد ان فترة الاحتلال الايطالى لم تاخذ حقها من الدراسه والتمحيص والتدقيق لمعرفه سلبياتها وايجيابيتها
بارك الله فيك استاذ احمد
ردحذففعلا لن تنسينا قبلة ولن ينسونا حتي لو ركع كل الطليان تحت اقدامنا
ربما انت كنت حضارين ومتفتحا ومن الممكن ان تتسامح ولكني اعلنها عن نفسي اني لم ولن اتسامح مع من دنس ارضنا وشرد اهلنا وقتل منا اعدادا لا تعد من الاخيار فلو تسامح كل الليبيون انا لن اغفر ولن اسامح
لن ننسى ، كيف ننسى وكل موطيء قدم من ترابنا يذكرنا أنهم قد مروا من فوقه ودنسوا طهارته ؟
ردحذفلن ننسى ، كيف نركب موجة النسيان لفظاعة محتل كدًس أبناء هذا الوطن وحشرهم في بواخره التي أفرغت حمولتها في جزر إيطاليا المنسية ليعيشوا إلى اليوم مجهولي المصير منفيي الصفة ؟ .
من قال أن النسيان أمر ممكن ، نسامح ربما وبشروط ، أما أن ننسى فذلك هو المستحيل الذي لا يشترى بكنوز الأرض كلها ...
كنت في الجبل الأخضر خلال بداية هذا الشهر ، ذهبت إلى المنطقة التي نشرت أنت صورتها سيدي الفاضل وكتبت تحتها عرين الأسد ، أقسم أني قد نزلت حافية من السيارة رغبة مني في أن تلامس قدماي تراب ذلك المكان الطاهر ووقفت متوجهة بنظري إلى الأعلى وصرخت بكل ما كان في صوتي من قوة : جدي عمر المختاااااااااااااااااااار ، مازلت حيا فينا ، ومازال رفاقك من الشهداء يعيشون في أرواحنا ، قبلت تراب ذلك المكان وخرجت منه ومايشبه النار يضطرم في صدري فصورة المحتل وجنوده لن تمحوها لا قبلة برلسكوني ولا حتى جثوه باكيا تحت أقدام كل الليبيين ..
لن ننســــــــــــــــــــــــــــى .
نعيمة الطاهر
نعم، تساءلت مثلك ان كانت تلك الانحناءة و القبلة تكفى لنسيان ذكرى مثل ذلك الرجل الذى فك لجام فرسه و أطلقه ،و اقتعد الارض رابطا ساقيه، وقال :
ردحذفبعد اليوم ما عاد في ركوب ولا ليك بعد اليوم صاحب، الصاحب اليوم يا يعيش عزيز ، يا يدوسوه الطليان بالكراهب. و قبل أن نلقى باللوم على برلسكونى اتساءل مرة ثانية ان كنا نحن اليوم نمثل خير خلف لخير سلف . و شكرا لك أخى على هذا العرض و الوفاء.
أخي أحمد ..
ردحذفكلما تذكرت آثار الضرب على جسد أبي الراحل والتي أرانيها ذات يوم وهو يحدثني عن ثلاثة من شباب الجنود الإيطاليين وكيف غلبت كثرتهم قوته وهزمت أسلحتهم شجاعته ، حين انهالوا عليه ضرباً ولكماً حتى تعبت قبضاتهم الشرسة وتراخت ، لمجرد أنهم وجدوه يحرث مكاناً غير مسموح بحراثته ، وكيف رفض أن يتأوه أو أن ينهار أو أن يسقط أرضاً في إباء بدوي غريب قد يبدو للبعض أنه ضرب من البله أو الكبرياء الجوفاء ، حين أتذكر أسارير وجهه وهو يروي لي تفاصيل القصة التي لم تغادر مرارتها روحه لأنها المرة الوحيدة طوال حياته التي لم يستطع فيها رد العدوان والظلم عن نفسه كما أكد لي ..
حين اتذكر كل ذلك .. فإنني وأمثالي فقط هم من يعرفون تماماً قيمة قبلة ( برلسكوني ) ..
دمت مبدعاً وأخاً وصديقاً ..
أخوك / عبدالله الشلماني ..
((وعلى ما غار في صمت التراب من بطولات الضحايا ,يرتمي ظل غراب )) خليل حاوي
ردحذفلقد أدارت إيطايا ظهرها للفاشية وللإمبراطورية الإستعمارية من قبلها وغزت العالم بالبيتزا والكابوتشينو والكالشيووالفيـراري بينما لايزال وعينا معلقا ً بمشنقة عمر المختار,
ليس الأمر كذلك.. لقد تجاوزنا المشتقة.. لكن كل الشعوب تتذكر محارقها: اليهود.. الأرمن.. الصينيون لايزالون يقيمون نصباً تذكارياً لضحايا الإبادة التي ارتكبها اليابانيون ويطالبونهم بالاعتذار.. الليبيون سامجوا منذ مدة طويلة.. قبل اعتذار برلسكوني.. الذي لم يكن اعتذاراً رسمياً.. الإيطاليون الآن ليسوا هم أيطاليي الأمس.. والجسور بيننا امتدت شئنا أم أبينا.. ذلك شيء تفرضه طبيعة الحياة.. لكن هناك فارقاً شاسعاً بين التسامح والنسيان!!! لايزال العهد قريباً.. الأجيال القادمة ستنسى حتماً.. أما نحن فلا يزال آباؤنا أحياء وهم شهود عيان على الإبادة.
ردحذفلا فرق بين قبلة ( برلسكوني ) وبين نابهِ , فالثانية فتحت أجسادنا , والأولى فتحت خزانتنا .. وفي الحالتين لا زلنا ننزف .
ردحذفأنخاف من غشم ليدين ايجيبك قنانيد يارحى
ردحذفاه يا مبدعنا كم اشتقناك... ضننت انني يجب ان انسى واثتبت بمقالتك هذه انني ساسامح.... بل سامحت وحلقت فرحا بعودتك..اشكرها لي..اشكرها نيابة عني تلك التي اشاعت الدفء في روحك لتنشر مجددا عبيرك الاصيل لتعكس لنا بلغتك الثرية مزيج الصور التي احببتها واحببناها من خلالك ، احب ان أقراك دوما هكذا وأتغزل في عيون ام الخير الواثقة تطل من حروفك... لي طلب ..هذه التي اعادتك لنا ..سلم عليها وحافظ عليها لتحفظك لنا كما انت... دمت
ردحذفتساؤل...خرجت اليوم من بيتي قاصدة شراء ثلاثة كتب للكاتب احمد يوسف عقيلة...الحقيبة بها ثلاثون دينار هي للكتب..بدات بمكتبة الفرجاني سالت الشاب المسؤول بالمكتبة قال استني شوي..بربش في الكمبيوتر وقال لا ماعندناش..مكتبة طرابلس العااااالمية سالت الشاب المسؤول قال لا ولكن هذه بعض روايات لبعض الكتاب الليبيين لم يكن مطلبي موجود.بل لم يكن ولا كتاب منهم للكاتب المطلوب.اتجهت لمكتبة واعتصموا بسوق المهاري ايضا رد الشاب لا !!!انا اتساءل هل الكتب قديمه وانتهت من المكتباب؟ هل هذه الكتب لم تصل طرابلس؟ هل هذه الكتب هي الكترونيه فقط؟....عجبي
ردحذفقبلة لوتشيا
ردحذفتلك السوريلا ( الأخت ) قبلتها لشيوخنا واطفالنا .. الموهوبة للحب من اجل الحب .. وللخير من أجل الخير .. وللرب الذي نتوحد في عبادته .
السوريلا لوتشيا لم تتدخر جهد من أجل عمل الخير .. ولم تدخر حب ولا عطف ولا حنان من اجل مرضانا ولم تألوا جهداً في سبيل خدمتنا بكل ما تملك من ذخر وبسمة رائعة ولغة عربية ملحنة ..
لوتشيا هذه الإنسانة التي وهبت نفسها لخدمتنا دون مقابل سوى مرضاة الرب .. كم أعطت من جهدها ووقتها وعمرها لخدمة من يحتاجها ..
تحمل بسمتها ومقياس الحرارة والضغط وكلماتها الملحونة الجميلة والمحببة وقلبها الأبيض .. لكي تخفف عنا مصابنا ..
لوتشيا تلك القادمة من إيطاليا ليس لها علاقة ببرلسكوني ولا موسوليني .. ولا الإستعمار ..
إنما لها علاقة بالحب والخير والعطاء ..
أختك سهام
شكراً لكم جميعاً.. نعم أخت سهام.. لا علاقة للراهبات اللواتي كرسن خدماتهن للرب ببرلسكوني ولا موسوليني ولا غراتسياني.. الليبيون يعرفون ذلك.. يفرقون جيداً بين الملاك والجلاد..!!
ردحذفهل تعلم بان المستعمر الغاشم اعدم الكثير من أبناء هذا الوطن بشهادة أبناء هذا الوطن ..
ردحذفيالخروبة قولي لي اين اجد كتب الاستاذ عقيلة اليوم نقصت دنانيريالثلاثين ..اليوم هي عشرين فقط ولكني خرجت لابحث عنها في ثلاثة مكتبات اخرى مكتبة فزان كانت مغلقة يبدو انها ستصان او يبدل مكانها المكتبة الثانية مكتبة المختار بالظهرة ومكتبتان في شارع الوادي ...لم اجد اي كتاب..ساعديني يا الخروبة.
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله
ردحذفابدا اخي ومن قال اننا سنسى .. قد نسامح( وفي هذا تجاوزا اللهم الا الاخد بمبدأ الشريعة ) وفي هذا الحق للقتل فقط.. اما ماعرفناه من جرائم فمالأحد الحق في قبول التسامح ابدا .. هكذا ادخلنا التاريخ في متاهات الفرص وو( التمسكن الى التمكن ) ..
كم من الاشياء عرفتها في تتبعي لحركة الجهاد الليبي سواء في الاحتلال الايطالي الاول او الثاني .. ولنتساءل لماذا لم يسامح الايطاليون انفسهم هؤلاء وحكوماتهم .. من غريتسياني وموسيليني ومولي وكانيفا .. اين نذهب بمصيبات لم تأتي فُرادا فكان الغزو والجفاف والقحط واستيطان وتهجير في بضع سنين التقت على هؤلاء ..
نعم هى قبلة ..
لكنها بطعم ( القاز )
الخطاط
علي رحيل
مدونة المخلاة الليبية
انا فعلا اريد شراء كتب للكاتب احمد عقيلة فدلوني اين اجدها
ردحذفالأخت سميرة
ردحذفضعي هنا عنوانك البريدي وسوف تصلك مني كل إصدارات الكاتب أحمد يوسف عقيلة المتوفرة لدي .