25 مارس، 2010

الكِلاب

من كتاب: حكايات ضفدزاد لأحمد يوسف عقيلة

يقولون يا مولاي.. بأنك إذا قلتَ للكلب (يا كلب).. لم تزده شيئاً ولم تنقصه.. وحتى إذا قلتَ له (يا ابن الكلب).. أو(يا ابن ستين كلب).. فإنَّ ذلك لا يُعَدُّ إهانة.. لسببٍ بسيط يا مولاي.. هو أنَّ الكلب غير قابل للإهانة أصلاً!
لكن.. سَيبْنا من هذا.. واسمع هذه الحكاية..
بلغني يا مولاي.. أنه كان هناك ملِك يجلس في شُرفة قصره.. المُتربِّع فوق منطقة جبلية.. ويُطلُّ على آفاقٍ مُعشِبة.
حدث ذات مساء.. أنَّ كلباً مسعوراً قفز إلى حديقة القصر.. أثارَ الرعبَ.. والهلَعَ.. يهِرُّ.. يُطقطق بأنيابه.. اللعاب يتدفَّق خيوطاً من زوايا فمه.. يعَضُّ كل شيءٍ يأتي في طريقه.. الأعشاب.. جذوع الأشجار.. وحوافّ الجدران.
تدافع الحَرَس.. تقافزوا فوق السور.. وأغلقوا باب القصر.. لكنَّ أحد الحُرَّاس تأخَّر قليلاً.. فحاصره الكلب في إحدى الزوايا.. كشَّر عن أنيابه.. ووثب فوق الحارس وعضَّه.
أطلق صرخةً راعِبة .
صعدت الصرخة.. انزلقت مِن فوق شرُفات القصر.. وانداحت في الآفاق المُعشِبة.
وسكن الحارس...
حتى الكلب أقعى..
يبدو أنه قد أفرغ كلَّ غضبه وجنونه في تلك العَضَّة.. حتى إنه بدأ يلعق جِراح فريسته.. هل هي يقظة ضمير مُتأخِّرة؟ حتى الكلاب لها ضمائرها يا مولاي.
لم تفعل العيون المذهولة المُتجمِّدة فوق السور شيئاً سوى الترقُّب.
نهض الحارس.. عَوَى.. ونبح.. وعندما استدار ناحية الجدار.. اكتشف الملك مِن شُرفته أنَّ حارسه قد نبت له ذيل. يبدو أنه لم يكن في حاجةٍ إلى عَضَّة الكلب ليُصبح كلباً!
أخذ الحارس يعدو بمحاذاة السُّور.. يعوي.. ينبح.. يُبصبص.. ويمَذرِح.. ثُمَّ وقف قُبالة الشُّرفة:
ــ أنا خادمكم الوفي يا مولاي.
ابتسم الملك.. وقال يُحدِّث نفسه:
ــ مُذهِل أن يكون لك حارس يُبصبص.. وينبح.. ويتكلَّم.
ثُمَّ خطرت له فكرة...
نادَى جميع حاشيته وحُرّاسه.. أَوقفهم صفًّا في الحديقة.. أمرهم بعدم مغادرة أماكنهم.. مهما كان الأمر.. وقال:
ــ هذا أمر ملكي.
ثُمَّ نادَى على الحارس النبّاح.. وأمره بإحضار الكلب.
تململ الصف.. أخذوا يتلفَّتون.. بعضهم اندلق مِن بين فخذيه سائلٌ حارّ.. لكنَّ كلَّ واحدٍ منهم قال في نفسه:
ــ أن يعضَّني الكلب أفضل على كل حال مِن أن يعضَّني الملك.
هكذا يا مولاي.. مَرَّ الكلب على الطابور.. عَضَّة عَضَّة.. وكل عَضَّةٍ تصحبها صرخة فاجعة.. تنْزلق متلاشيةً فوق الفضاءات المُعشِبة.. وتموت في حنايا الشِّعَاب.
حظِي الملك بحاشيةٍ مثالية.. يهزُّون ذيولهم.. يُجيدون النباح والكلام.. وبدأ يُفكِّر جِديّاً في المستقبل.. أعني في استنساخ جِراء من هذه الفصيلة.. وعاش جلالته في بحبوحة.
لكنَّ بحبوحة الملوك عمرها قصير.
دخل عليه بعض حاشيته وحَرَسه ذات صباح.. يبلغونه بأمرٍ من أمور المملكة.
ذُهِل جلالته.. غَمَره العَرَق البارد.. الدَّبِق.. حاول إخفاء دهشته.. فقد اكتشف أنَّ حُرَّاسه وحاشيته قد ظهرت لهم أنياب طويلة.. حادَّة!
وأدرك ضِفْدَزاد الصباح.. فسكتت عن النقيق المُباح.

هناك تعليق واحد:

  1. اظن ان كل حديقة ملك قد قفز فيها كلب ....سميرة

    ردحذف