الحافلة
قصة
قصيرة.
... الحافلة ذات الستين راكباً في موقفها وسط
ساحة القرية الواقعة في أعلى الجبل.. لا تتحرك بالرغم من أن محركها يعمل منذ حوالي
ساعة.. فالسائق نزل لشراء سجائر وزجاجة مياه ريثما يسخن المحرّك.. تاركاً المسجل يلعلع
بصوت أجش لشاعر شعبي يكيل المديح للناقة وللحصان: (أسود طليس تقول غيم حصيدة).
... مدير المحطة يبول واقفاً مواجهاً الريح..
ويقول بأنه يملك سنداً شرعياً لذلك.. فالناس في هذه الأيام شرعوا يفتشون في
الدفاتر الصفراء القديمة عن الأسانيد الشرعية لكل شيء.. حتى لاتجاه البول..!
سائقو الحافلات يثيرون التذمر دائماً..
يتأخرون.. يميلون المرآة لرؤية النساء.. يغمزونهن أحياناً.. يقفون على المطاعم في
منتصف الطريق.. في صفقة مع أصحاب المطاعم.. حيث يأكلون مجاناً في مقابل جلب
الزبائن.
الطل المتكثف على زجاج الحافلة بدأ يسيل مع
طلوع الشمس.. الركّاب يتململون.. يتثاءب أحدهم.. تنتقل عدوى التثاؤب من الكرسي
الخلفي المستطيل بعرض الحافلة إلى صفّي الكراسي.. يصل التثاؤب إلى الستارة التي
تفصل السائق عن الركّاب.. فمؤسسة النقل تمنع حديث الركّاب مع السائق.. الطفل
الرضيع على صدر إحدى القرويات يترك الثدي لحظة ليمارس حقه في التثاؤب في سن
مبكّرة.. فبلادنا أصبحت ديمقراطية فجأة.. العجوز ذو العمامة المتكوّر على نفسه في
الزاوية الخلفية يستسلم لإغفاءة ويفوته مهرجان التثاؤب.. الشاب الملتحي يلعب على
دودة الهاتف النقّال.. في مقدمة الحافلة اختفت صورة الزعيم.. ظهرت مكانها صورة
فضيلة مفتي الديار.. من الواضح أن أحدهم مزّق صورة الزعيم على عجل.. فجزء من كتف
الزعيم برتبة الجنرال لا يزال يطل من فوق كتف المفتي!
... أخيراً.. تتحرك الحافلة.. الطريق تنحدر
مستقيمة قبل أن تبدأ الانعطافات الحادة.. لافتة كبيرة على يمين الطريق: (تمهّلْ..
أمامك منعطفات جبلية خطرة).. لكن السائق الملول لا يتمهّل.. لم يقف حتى على المطبّ
الذي رجّ الركّاب.. وأيقظ العجوز المتعمّم الغافي في الخلف.. لكنه لم يستطع إيقاف
الشاعر الشعبي عن التغزل في الناقة والجواد.. متى يكفّ شعراؤنا الشعبيون عن مديح
الإبل؟ كان يفترض أن تكون الحافلة أجدر بالمديح.. فهي تحمل ستين راكباً على
الكراسي الوثيرة.. ومكيّفة.. بينما الناقة لا تحمل سوى راكب واحد فوق ذروة ناتئة
تحت صهد الشمس.. سرعة الحافلة المنحدرة تزداد مع اقتراب المنعطفات.. يا ساتر..
يخطر ببالي أمر مرعب.. أزيح طرف الستارة ببطء.. يا لطيف..!! كما توقعت.. السائق
غير موجود.. يبدو أنه لايزال منشغلاً بشراء السجائر وزجاجة الماء.. أنا لا أعرف
القيادة.. معظم الركّاب شيوخ وقرويّات.. هل أجابههم بالحقيقة المرعبة؟ هذا سيثير
هلعهم دون طائل.. صوت داخلي يقول لي: (تشَهَّدْ وخلّيها على الله).. الله لن ينزّل
ملائكة من السماء لإيقاف الحافلة.. رغم يقيني بأنه قادر على ذلك.. فهذا ليس من شأن
الملائكة.. والربّ على كل حال لم يخلق الملائكة أصلاً لقيادة الحافلات.. ينبغي أن
نقود حافلتنا بأنفسنا.. لم يبقَ أمامي سوى فتى ثعبان الهاتف.. سأهمس في أذنه.. يا
الله.. ساقاه معدنيتان.. المنعطف يقترب.. الحافّة الجبلية تُفضي إلى الوادي السحيق
المؤطر بالصخور.. ماذا أفعل؟ هل أثير هلعهم؟ هل أدوس على الكوابح؟ بهذه السرعة
الجنونية ستتقطع الكوابح.. هل أعطف المقود باتجاه الصخور لعلها توقف الحافلة؟ ستون
راكباً ليس فيهم من يجيد القيادة.. هل أتركهم يعيشون لحظاتهم الأخيرة بسلام؟ الأشجار
وأعمدة الكهرباء تمرق إلى الخلف.. بعد قليل سنطير.. ونحلّق في فضاء الوادي.. أليس
عند أحدكم خيار آخر؟ المنعطف يجري نحونا.. والشاعر الشعبي ذو الصوت الأجش لايزال
يمتدح الإبل!
***
(2012)
راااااااائعة تحملك برمزيتها إلى حيث يجب أن تكون لترى الأمور بصورة مختلفة
ردحذفلابد من المواجهة والتضحية من البداية ..! إيجاد الحل قبل السقوط في الهاوية.
ردحذف(تشَهَّدْ وخلّيها على الله) هذا م انقوم به الان
ردحذفتعرف شن صار استاذ أحمد : فجأة الكل عرف أن الحافلة يلزمها سواق وطلعوا كلهم يفهموا في السواقة وكلما زاد الانحدار في الطول زاد في الضيق وربي يستر للانحدار ليس له قرار ويستمر المسلسل
ردحذفالمنعطف يجري نحونا "" اظننا قد تركناه خلفنا أستاذي الفاضل و لكننا لم نسقط بعد و لن نسقط بإذن الله برغم كل ما يجري من أذى و كل ما نحمل من ألم فالأمل موجود و ستستقيم الأمور
ردحذف( و اصبر و ما صبرك الا بالله )