(في كوبا بدا وكأنّ رجال الثورة يُفكِّرون في أَنَّهم سيجدون حَلاًّ
ـ حتى لمشكلة نُدْرة الحليب ـ بإطلاق الرصاص).
(ماركيز).
( ف )
... الجنرال هذه الليلة في مزاجٍ رائق.. حتى إنّه خلع البذلة العسكرية بكل أنواطها الملونة.. ارتدى بذلة عربية.. أصيلة.. بيضاء .. زبدة.. فضفاضة.. تخلى عن عصا الشرف أيضاً.. استبدلها بِمسبحة مزخرفة.. يُمرّر حَباتها باستمتاعٍ ظاهر.. فَضّل الجلوس على كرسي فوق مصطبة في طرف الساحة.. تحت وهج الكشافات المنصوبة على أعمدة طويلة.. بحيث تلاشت جميع الظلال والنقاط الْمعتِمة في الزوايا.. يسأل:
ــ أين الجماهير؟ أين الشعراء؟
( ق )
... الشعراء يقفون صفاً مُنحنياً تجاه الجنرال.. معظمهم يحمل مُسوّدات المديح.. يتخلّلها الكثير من الشطب.. لم يتسع لها الوقت للتبييض.. فلَم يُعلَن عن المسابقة إلاّ قبيل المغرب.. رجال الأمن يُشكّلون سوراً نصف دائري خلف الشعراء.. وراء حاجز الأمن المنحني تحتشد الجماهير الهاتِفة.. تترقَّب بشغف بدء المسابقة.
( ا )
... الجنرال ينظر إلى السماء مُضيّقاً عينيه.. واضعاً رِجْلاً على رِجْل.. شابكاً يديه حول ركبته.. متأرجِحاً قليلاً.. دون أن ينظر إلى الشعراء يقول:
ــ مللتُ سماع الشعْر.. أريد شيئاً مختلِفاً هذه الليلة.. أنا سأقترح المسابقة.
( ق )
... يُحضر أحد رجال الأمن سطلاً مملوءاً بالماء.. يرش فيه عُلبة كاملة من مسحوق الصابون.. يضع فيه قَصَبة طويلة.. علامات الاستفهام التي تزدهر مع شيءٍ من الخوف في رؤوس الشعراء.. تزدهر أيضاً في رؤوس الحشد.. وتثمر الكثير من الهمس والوشوشة.
( ي )
... يقول رجل الأمن:
ــ اسمعوا.. كلّ شاعر ينفخ في هذه القَصَبة.. ويُخرج أكبر فقّاعة بحيث تنعكس فيها صورة الجنرال سيكون الفائز.. الزمن ثلاث دقائق فقط.
( ع )
... تبدأ فعاليّات النفخ والبقبقة.. تنتفخ وجوه الشعراء.. تتكوّر.. تنفر العروق في الرِقاب.. تَجحظ العيون.. الفقاقيع تتصاعد.. تنفثئ فجأة.. قبل أن ترتفع إلى مستوى وجه الجنرال.. يتآكل طابور الشعراء.. يستجمع آخرُ الشعراء أنفاسه.. يَملأ صدره.. ينفخ.. تصدر غَرغَرة أشبه بالنباح.. يلهث.. يلهس.. يتدلّى لسانه.. يسيل لُعابه.. ينفخ نفخة طويلة.. تصعد فقّاعة ضخمة.. تصعد معها صيحة عالية من الحشد.. رجال الأمن يَدعمون تلك الصيحة بشيءٍ من الهمهمة.. يتطلع الجنرال باهتمام.. تتأرجح الفقّاعة.. تحلّق.. تَهبّ نسمة خفيفة.. ترتجف الفقّاعة.. تنفجر مُحدِثة طرقعةً كبيرة.. يقعقع السلاح.. سياج الأمن يلتف حول الجنرال مُصَوّباً البنادق إلى الحشد المذعور.. وإلى السماء المحجوبة خلف سطوع الضوء.
***
(2006)
خيال جميل لفقاعة كادت أن تؤدي بحياة الجماهير وللأسف ما أكثر الفقاعات التي في عالمنا العربي فهي تهدد مصيرنا باستمرار وتجعلنا في حالة ترقب للفقاعة ولمن يتصدى لها.
ردحذفالسيد القاص الرائع مازلت تبحث في المكان الخطأعن الحكاية المفترضة
ردحذفالسيد (غير المعرف).. أسعدني تعليقك كثيراً.. من الجميل أن نبحث ولو في المكان الخطأ.. البحث اكتشاف.. لعلنا سنعثر على المكان الصحيح يوماً ما.. وحتى لو لم يحدث ذلك.. فتكفينا متعة البحث.
ردحذفالسيد القاص أشكرك على روحك الشفافة وما قلت ماقلت الا لحبي واعتزازي بك وحرصي على أن تعود فارسا للقصة فلك مني تحية احترام وشكرا لك
ردحذفجميلة يا أحمد أعجبتني كثيرا هذه الفقاعة.. كما أعجبني ردك الأجمل عل ال..غير معروف ..وتستاهل عليه بيت شعر( ليس الغبي بسيد في قومه... لكن سيد قومه المتغابي) لك مودتي.
ردحذفعلاء الكزة
نعم ... قصائد الشعراء المنحنين ليست أكثر من فقاعة ..ولو أدت لموت جمهور ( شعب مغلوب على امره ) بأكمله .
ردحذفولكن هناك شعراء قصائدهم قنابل لا تستهدف سوى الجنرال و زبانيته ..وعند مطر الخبر اليقين .
تحياتي أستاذ أحمد ... للاسف أن دور الجماهير لا يتعدى ان يكون دور الحاضر الغائب ... فإذا حضر يكون ذلك بالصراخ و الغوغائية و الهتاف الذي يعزز غرور الجنرال الاله
ردحذفأتمنى أن لا يفهــــــموك غلـــــــــط :) ... في انتظار المزيد