12 مارس، 2010

السَّاعَة..

هذه القصة من ضمن القصص التي ترجمها الصديق القاص (غازي القبلاوي) إلى اللغة الإنجليزية
1
... كنا في انتظار الساعة الخامسة مساءً.. أو بالأصح في انتظار الجنرال.. نروح ونجيء.. نتفقَّد المنصة.. والزينة.. صحيح أنَّ المنصة متواضعة بعض الشيء.. وبالكاد تتسع للجنرال ومرافقيه.. لكن ماذا بوسعنا أن نفعل أكثر من ذلك.. فنحن في القرية لا دراية لنا بتجهيز الاحتفالات.. ورغم هذا أخذ منظِّمو الاحتفال يُنبِّه بعضهم بعضاً إلى أي خلل.. مهما كان طفيفاً.. فالجنرال ـ والحق يُقال ـ دقيق في مثل هذه الأمور.. يتفطن إلى أيّ شيء.. لا يسمح بأي تسيُّب.. هكذا علَّمته الحياة العسكرية الصارمة.. فالأمور يجب أن تكون من الدقة بحيث تكون كالساعة.
على ذكر الساعة.. فقد تجاوزت الثانية بقليل.. ثم انظروا إلى ذلك العَلَم الذي الْتَوَى بفعل الريح.. يجب أن يصعد أحدكم لإصلاحه.. فالعَلَم المرفرف يجعل المرء يُحسّ بالزهو.. وإلا فلماذا وُضعت الأعلام أصلاً؟ هل انتهيتم من طباعة الطلب.. فالجنرال في عجلة.. هل فِرَق الكَشّاف والفِرَق الرياضية والفنون الشعبية جاهزة.. إنه لا يريد أن يتجاوز الاحتفال ساعةً واحدة.. كم بلغت الساعة؟ الثالثة؟ هل انتهيتم من طباعة الورقة؟ كل شيء واضح في الطلب؟ المدرسة والمستوصف والبئر والخزان العلوي؟
2
... وصل موكب الجنرال..
ــ كيف؟ الساعة أربعة بَسّ!
ــ تأكَّدتم أنه قال الخامسة؟
ــ بكل تأكيد.
ــ كارثة.. لم تصل الفِرَق بعد.
ــ ولا حتى الخَيّالة.
ــ الجنرال يموت في الخيل.
ــ ما العمل؟
ــ فيه خلل ما.
ــ لكن الطلب جاهز.
ــ فيه الخَزّان العلوي؟
ــ أي خزَّان علوي!
ضاعت الأصوات في زخم الهتاف.. والتصفيق.. والزغاريد.
3
... ترجَّل الجنرال.. بذلة بيضاء لامعة مَكْوية بعناية.. لو خرج منها الجنرال لوقفت لوحدها! صدر مُرصَّع بالأنواط الملونة.. فوق رأسه (كاب).. تحت إبطه عصا الشرف.. في قدميه حذاء أسود لامع هو الآخر.. باختصار كل شيء في قيافته يلمع.. بل ويُغري باللمس! إذا أردتَ أن تضع عنواناً لتلك اللحظة فهو (البريق والجاذبية).. التفَّ حوله وجهاء قريتنا.. اتّجه ناحية المنصة وهو يُلوِّح للجماهير.. يلمس أيديهم بكلتا يديه على الجانبين.. انحنى على طفلة صغيرة وقبَّلها.. قبَّل رأس إحدى العجائز.. ثم جلس على الكرسي.. أخذ يتلفَّت.. وينظر إلى ساعته.. أشار إلى أحد حُرّاسه.. فانحنى على كتفه.. فهمس الجنرال في أذنه شيئاً.
هل لاحظ قِلّة الجمهور؟ أم لاحظ غياب الفَرِق؟ ربما يتساءل عن عدم وجود الخَيّالة؟ نزل الحارس من فوق المنصة قاطعاً كل الشكوك:
ــ المفروض أن يبدأ الاحتفال الآن.
ــ الآن؟!
ــ تَوّا.
تلعثم المختار:
ــ لَم نستعدّ بعد.. مازالت ساعة كاملة.. الساعة الآن الرابعة فقط.
نظر الحارس إلى ساعته.. هَزَّ رأسه.. عاد مسرعاً إلى المنصة.. انحنى على أذن الجنرال.. فنظر إلى ساعته.. زَمَّ شفتيه.. وفتح كفيه علامةً على الاستغراب.
4
ــ ما فيش حَلّ ـ قال الحارس ـ ساعة الجنرال خمسة.
نظرْنا إلى بعضنا في حيرة.. لم يجرؤ أحد على القول بأنَّ ساعة الجنرال متقدِّمة ساعة كاملة.. كثر التلفُّت.. والنظر في وجوه بعضنا البعض.. في تلك اللحظة كان الجنرال ينظر ناحيتنا.. أو بالأصحّ ينظر إلى حارسه الواقف بيننا.. ثم نقر بسبَّابته على الساعة عدة نقرات سريعة.. فاقترح الحارس على المختار أن يصارح الجنرال بالأمر.. وليكن ما يكون.
بلع المختار ريقه..
ــ آه.. ليكُن ما يكون.. من السهل قول ذلك.. ماذا تخسر أنت؟! سأفعل.. سأصارحه.. هل سيأكلني.. أو يأخذ ثَوبِي؟!
قدَّم رِجلاً وأخَّر أخرى.. أو على وجه الدقَّة قدَّم عنقاً وأخَّر أخرى.. نفخ صدره.. ثَّم اتّجه إلى المنصة.. وحين أراد الصعود تعثَّر في الدرَج.. وفي لحظة يحار المرء في تسميتها.. أهي إلهام؟ فتح؟ لحظة ربّانية؟ أو ربّما شيطانية؟ قام مختارنا بضبط ساعته على ساعة الجنرال.
***
(2000)

هناك 3 تعليقات:

  1. لم يفعل المختار أكثر مما يفعله غيره من المحكومين الواقعين تحت سطوة الجنرلات وجبروتهم ، لكن ماذا لو قال المختار الحقيقة وواجه الجنرال وأعلمه أن ساعته تتقدم ساعة على التوقيت ؟ ألم يكن سيجل موقفا تقف له عقارب الساعة تعظيما واندهاشا ؟.

    محمود عبد الجليل

    ردحذف
  2. وهل من المعقول أن يأتي الجنرال في نفس الموعد المحدد؟ التحوطات الأمنية تفرض ذلك ...أظن بأنه قد غير حتى خطة السير ....(وياريته بعد هضا كله يعرف يلهد) !!!

    ردحذف
  3. هذه هي الاسباب التي تجعل من البسطاءاضحوكة امام السلطة والقادة المولودون من رحم المجهول فحتي توقيتهم يتأخر عن زماننا ,وهذا مافاقم من مشاكل البسطاء الذين لاينظرون للزائر الا كخزان علوي غير ذلك لا,اما من صعد المنصة فقد لحق بالركب وظبط زمانه مع من جاء في غير التوقيت

    ردحذف