18 أكتوبر، 2009

القَبْو

( ا )
... ليلٌ خريفيٌّ طويل.. ظُلمة لزِجة.. تسيل في الشِّعاب.. وقيعان الأودية.. تتغلغل في الكهوف.. في الأجراف الغائرة.. في شقوق الصخْر.. وتحت لِحاء الشجر.
( ل )
... نقبع داخل بيوتنا.. جاعلين من قطع الأثاث متاريس خلف الأبواب.. على البلاط شمعة صغيرة تَجْهَد لطرد العتمة.. وعلى الجدران أشباحنا المرتجفة تتعرَّج في الزوايا.. قطَّتي البيضاء تتكوَّر قرب اللهب الخافت.. تتسرَّب الظلمة السائلة من الفتحة الضيقة تحت الباب.. نلمسها بحذر.. لزوجة كريهة.. مُوحِلة.. صقيعيَّة.. تنتشر في البيت رائحة الأقبِية.. والخفافيش.
( ق )
... ألواح الباب تُصدِر صريراً.. تنقصف.. تنخلع النوافذ.. تندلق الظُلمة.. نطفو.. نتحسَّس.. تقع أيدينا على أشياء عائمة.. القطَّة تجتهد لتُبقِي رأسها فوق المستنقع.. يقترب السقف.. يتجاوب البيت بضجيج خوفنا.. وزعيق الفئران الطائرة.. وخفق أجنحتها السوداء ذات الملمس القماشي البارد.
( ب )
... العتمة الرطبة.. المُتخثرة.. تزحف ببطء فوق الأجساد.. تحت الآباط.. تُخلِّف بين فرَجات الأصابع دبَقاً مُقزِّزاً.. تنْسَرِب تحت الجلد.. وداخل فضاءات الروح.. تسدُّ المنافذ والكُوَى.
( و )
... نهض الديكُ مُتلفِّعاً بالظلمة.. مدَّ قامته.. نفض جناحيه.. فامتدت الخيوط السوداء اللزجة من أطراف الريش.. ثُمَّ صاح صيحةً مخنوقةً.. فصيحةً مبحوحة.. فثالثة صادِحة.. طويلة.. أفرغ فيها كلَّ أنفاسه.. فطلع الفجر!
تلاشى اصطفاقُ الأجنحة السوداء تحت سماءٍ غامقة الزرقة.. وعلى العتبة المُشمِسة قِطَّةٌ تُنظِّف نفسَها.
***
(2001)

هناك تعليقان (2):

  1. الاستاذ الاديب أحمد يوسف عقيلة
    ليس مهما جدا أن يكرر الديك صياحة المهم أن يبلغ عن طلوع الفجر واشرق الدفء
    الي الامام دائما دائما..
    سعاد يونس

    ردحذف
  2. الاستاذ أحمد يوسف عقيلة
    مدونتك رائعة واجتهادك واضح
    وابداعك عالمي .


    الشاعرة سعاد يونس

    ردحذف