15 أغسطس، 2009

حوار مع القاص: أحمد يوسف عقيلة

حاوره الشاعر: محمد القذافي مسعود

ـ هل استطاعت القصة في الوطن العربي تجاوز نتالي ساروت؟
= دعني أقول لك اوّلاً إنّ الكاتب العراقي (نوئيل رسام) كتب قصة قصيرة جداً بعنوان (موت فقير) سنة 1930 ثُمّ كتب قصة عنوانها (قصة قصيرة جدًّا) فسبق بذلك (ناتالي ساروت) بسنتين على الأقل.. فهي قد بدأت الكتابة عام 1932 وكتبت (انفعالات) ولم تصنّفها على أنها قصص قصيرة جدًّا.. فمصطلح (قصة قصيرة جدًّا) أوّل من أطلقه (رسام) العراقي.. لكن من يقول ذلك الآن؟ يجب أن يُنسَب الأمر إلى (ناتالي ساروت) أو (ناتاشكا) كما يُدلّلها الروس.. ودعني أنقل لك أحد انفغالات ناتالي ساروت حرفيًّا وهو انفعال9 : (كانت تجلس القرفصاء فوق ركن من المقعد، وكانت تتلوى مادة عنقها, جاحظة العينين, وكانت تقول: نعم, نعم, نعم, نعم).. فهل يُمكن تسمية هذا قصة قصيرة جدًّا.. بالطبع لا تتصوّر أنني أنتقص من ناتالي ساروت.. فهي روائية عظيمة.. كتب جان بول سارتر مقدمة لكتابها الثاني (صورة مجهول) عام 1947 ولفت إليها الأنظار.. وهي كما قلت سابقاً لم تُصنّف (انفعالات) على أنها قصص قصيرة جدًّا.. وبعد (انفعالات) كتبت الرواية والسيرة الذاتية.. ومن هنا فإنني أجد نفسي في حِلّ من الإجابة عن سؤالك حول تجاوز ناتالي ساروت.
ـ ولكن هناك من يؤكد من النقاد العرب عكس ماتجده أنت عاديًّا؟
= مع احترامي للنقاد العرب فهذا تعميم.. ربّما قرأ كاتب أو قِلّة من الكُتّاب لناتالي ساروت.. لكن الأغلبية من كُتّاب القصة لم يطّلعوا على نتاجها.. أنا اتصلت بعدة كُتّاب قصة مميّزين.. فيهم من لَم يسمع مجرّد السماع بناتالي ساروت.. ومع هذا يكتبون قصة جيّدة.. ولا أعرف لماذا هذا الإصرار من نُقّادنا على إيجاد مرجعيّة أجنبية للقصة القصيرة في الوطن العربي.. يستكثرون علينا أن نُبدع شيئاً خاصًّا بنا!
ـ من أين تراها انطلقت بعد نتالي ساروت وهل كانت لانطلاقتها خصوصية على كل المستويات؟
= أُعيدك إلى الإجابة السابقة.. كما أسلفت فإنّ معظم الكُتّاب العرب الذين كتبوا القصة القصيرة لم يقرؤا لناتالي ساروت.. وأنا شخصيًّا كتبت حتى الآن سبع مجموعات قصصية.. وهي قصص قصيرة جدًّا ـ معظمها من عدّة أسطر إلى ثلاث صفحات كحدّ أقصى ـ قبل أن أقرأ حرفاً واحداً لناتالي ساروت.. وحين وجّهتَ إليّ هذه الأسئلة اضطررت إلى الدخول لشبكة الإنترنت حتى أجد شيئاً لساروت!! فأرى أن القصة القصيرة في الوطن العربي لا علاقة لها بناتالي ساروت.. لكن في وطننا العربي يبحثون عنّا دائماً من خلال الآخرين؟
ـ كيف لم يقرؤا نتالي ساروت وهم يتحدثون عن مجد القصة من خلال ماحققته نتالي ساروت.. ولك أن تطالع عشرات المقالات على النت لكتاب ومثقفين عرب يتحدثون عن النقلة والمجد اللذين حققتهما ساروت؟
= يا مولانا ناتالي ساروت لَم تكتب شيئاً قصيراً سوى الانفعالات.. باقي كتاباتها روايات وسيرة ومحاضرات.. وهي مبدعة كبيرة وعلى رؤوسنا ككل مبدع كبير يستحق الاحترام.. ماذا تريدني ان أفعل؟ أقسم لك أنني كتبت قصصي كلها دون أن أقرأ حرفاً لناتالي ساروت!! ودعني أقول لهم بأنّ الكاتب جابرييل جارسيا ماركيز قال: (كل رواياتي خلفيّتها ألف ليلة وليلة.. قرأتها في طفولتي).. لكنّ نقّادنا يصرّون على أنّنا لا علاقة لنا بالواقعيّة السحرية.. بل هي من ابتكارات ماركيز وكُتّاب أمريكا اللاتينية! هذا نوع من الاستلاب.
ـ كيف ترى القصة قبل وبعد يوسف إدريس؟
= يوسف إدريس كان نقلة نوعية في القصة.. وعلى الرغم من أنني لم أقرأ له سوى مجموعة واحدة وهي (بيت من لحم) إلاّ أنّ قصصه أمتعتني أكثر من قصص نجيب محفوظ التي كتبها في البداية قبل أن يتّجه كُليًّا إلى الرواية.. وحين يُشكِّل كاتب ما نقلة نوعية فإنّه يُعَدّ مقياساً.. أو سقفاً.. ومن هنا فإنّ كُتّاب القصة الذين جاؤوا بعد يوسف إدريس سعوا إلى تجاوزه.. وهناك كُتّاب قصة كُثُر فعلوا ذلك.. بالطبع لا يجب أن نقف عند يوسف إدريس.. يجب ان يسعى كُتّاب القصة دائماً إلى تجاوز ما هو سائد مهما كان مستواه.
ـ على مستوى تقنيات كتابة القصة ماذا أضفت فيما كتبت سابقاً.. وما هي رؤيتك للجديد؟
= هذا السؤال ينبغي أن يُجيب عنه غيري.. كالنُّقّاد أو القُرّاء.. فإجابتي عنه ستكون أقرب إلى الادعاء.. هل حقًّا أضفتُ شيئاً؟ ربما.. ولكن بعيداً عن أي تواضع زائف فأنا لازلت في بداية الطريق.. وأرى انّه من السابق لأوانه الحديث عن الإضافة.
ـ هل لديك هاجس التطور والتجديد.. وكيف تخطط عملياً لتطوير امكاناتك وأساليبك للتجديد؟
= كل مبدع يجب أن يكون لديه هاجس التجديد والتطّور.. وعدم الركون إلى أية قناعات جاهزة.. ولكن السؤال: كيف يكون التجديد؟ بعض الكُتّاب يعبثون بحجّة التجديد.. السعي إلى التجديد محفوف بالكثير من الخوف.. الخوف هنا ليس سلبيًّا.. بل هو ناتج عن الشعور بالمسؤولية.. أن تبتدع طرائق في السرد فهذا يجب أن يهدف إلى المتعة.. لأنّ الغاية من الأساليب ـ مهما تعددت ـ هي المتعة.. وإلا فما قيمة التجديد؟
ـ القصة الفن الحاضر الغائب بمعنى إنها حاضرة في المطبوعات كنص وفي ذات الوقت بدون جمهور يتابعها ويعرف كتابها ونجومها.. ما الأسباب من وجهة نظرك؟
= القول بأنّ القصة بدون جمهور فيه الكثير من النظر.. حين أحييت أمسيتين قصصيتين في الجزائر أذهلتني الاستجابة الكبيرة للقرّاء.. حتى إنّ بعضهم سألني عن قصص مُحدّدة.. وكانوا قد طبعوا بعض القصص من مواقع على النت وطلبوا التوقيع عليها.. كنت أعتقد أنه لن يعرفني أحد هناك.. بعض النقّاد يقولون بأنّ القصة القصيرة هي فنّ المستقبل.. فهي التي تتناسب مع سرعة العصر.. ربّما.. لكنني لا أعوّل على ذلك.. إنّ القِصَر ليس كافياً وحده لجذب القُرّاء.. فالرواية الطويلة الجيدة تستقطب القُرّاء أكثر من قصة قصيرة رديئة.. مهما كانت سرعة العصر.. المعيار هو الجودة فقط.
ـ هذا في الجزائر.. وماذا عن ليبيا؟ وهل يعتبر ما لقيته من احتفاء في الجزائر مقياساً لوجود جمهور للقصة؟
= بالضبط.. جمهور القصة في ليبيا ليس قليلاً.. تأتيني رسائل على النت والنقال يسألون دائماً عن الجديد.. حين أكتب قصة جديدة يحاول كل الموظفين في العمل الحصول على نسخة بتصويرها.. كل ما في الأمر أنّنا لا نعرف طريقة اجتذاب القارئ.. أو لا نستطيع الوصول إليه.. نُقيم الأمسيات في العواصم أو المهرجانات والمناسبات.. كأنّ الأدب يحتاج إلى مناسبة! أو أنّ المؤسسة العامة هي التي تَمنحنا الشرعيّة.. أنا أقرأ قصصي حتى للرعاة.. يجب أن نذهب نحن إلى القارئ.
ـ ألا ترى أن القصة اليوم أصبحت الجنس والفن الأضعف والأقل شأناً بين بقية الأجناس الأدبية والفنية عامة؟
= إجابتي عن السؤال السابق تتضمّن الإجابة عن هذا السؤال.. وأضيف أنّ تشيكوف بقصصه القصيرة ليس أقلّ شأناً من تولستوي ودوستويفسكي العظيمين.. وقصص ماركيز لا تقل روعة عن رواياته.. ومعطف غوغول الذي خرج منه كُتّاب روسيا العمالقة عبارة عن قصة قصيرة.. ومجموعة قصصية جيدة قد تكون أكثر شعرية من كثير من دواوين الشعر.. المعيار ـ كما قلت سابقاً ـ هو الجودة.. وليس نوع الجنس الأدبي.. امنحني فقط نَصاً جيّداً.. وليكن قصيدة أو قصة أو رواية.. لا يهمّ.
ـ لمن تقرأ في هذه المرحلة من كتاب القصة العرب والعالميين؟
= سأحدّثك عن شيء طريف.. كثير من قصصي المنشورة على شبكة الإنترنت أجد عليها بعض التعليقات التي تقول إنني متأثر بالكاتب التركي عزيز نيسين.. فبدأت أبحث عن أي شيء لعزيز نيسين حتى وجدت له مجموعتين قصصيتين منذ حوالي أسبوع.. وقد أَتْممت قراءتهما.. واستمتعت بهما كثيراً.. فهو كاتب ساخر من طراز رفيع.. بالطبع بعض القُرّاء لا يصدّقون أنني لم أقرأ عزيز نيسين إلا منذ أسبوع!!
ـ ما رأيك في الممارسة النقدية على النتاج القصصي الليبي والعربي عامة؟
= الممارسة النقدية على النتاج القصصي لاتزال قليلة قياساً إلى كم القصص المنشور.. لكن يجب أن نوجّه اللوم إلى أنفسنا أوّلاً.. فيجب أن نكتب جيّداً قبل أن نطالب النُّقّاد أو القُرّاء بالالتفات إلى قصصنا.. البضاعة الجيدة تُسَوّق نفسها.. أليس كذلك؟
ـ وما دور النقد إذاً؟
ـ النقد لا تكتمل العملية الإبداعية إلا به.. لكنّ الإبداع لا يأخذ شرعيّته من خارجه.. لا يأخذ شرعيّته حتى من النقد.. رغم أهمية النقد القصوى.. لو افترضنا جدلاً أنّ بعض النقاد هلّلوا لنص رديء.. فإنّه سيظل رديئاً.. ولن يكتسب الجودة من إطراء النقاد.
أشكرك أخي محمد على أسئلتك القيّمة المستفِزّة.. واعذرني على بعض الحِدّة في إجاباتي.. في أعماقي بدويّ سريع الغضب! وأتمنى أن يستمر الحوار.
***

هناك 4 تعليقات:

  1. هل يصدف فعلآ أن نكتب بطريقة يكتب بها اناس لا نعرفهم..وماذا نسمي هذا في حال حصل؟ وكيف ننقذ أدبنا من الوقوع في جحيم الاتهامات؟ومن سيصدقنا؟والى متى سنبقى رهن تجارب لم نتأثر بها؟وهل يعقل أن يعتقلنا الغرب الى هذه الدرجة؟ فمن معتقل العقيلة الى معتقل الفكر تمتد يا استعباد ياقهر ....

    ردحذف
  2. صالح المبروك17 أغسطس 2009 في 1:45 ص

    (أقسم لك أنني كتبت قصصي كلها دون أن أقرأ حرفاً لناتالي ساروت!!)، والله معك حق أن تحلف، هذا يذكرني بقسم ماركيز حين قالوا له إن روايتك الأم الكبيرة تشبه كثيرا رواية الأم لمكسيم جوركي فقال: اقسم براس امي أنني لم اقرأ رواية مكسيم جوركي.

    ردحذف
  3. الأستاذ أحمد ..نحن في إنتظار المزيد من الإبداع والعطاء..استمر ولا تشغل فكرك بهذه المعوقات - نقد،تطوير،تجديد، تقليد ،جمهور- مع عليك إلى الجلوس تحت ظلال الخروبة مستمتعا بالقراءة والكتابة..

    علاء الكزة

    ردحذف
  4. فعلا ليس مطلوب منك إلا توسد جدع الخروبة والإستظلال بظلها ومص قرون الخروب اللذيذة والإسترسال في الكتابة بعيدا عن المصطلحات ومناكفات النقاد أو حذلقة المحاورين ، ما يهمنا فقط مزيد ابداعك وروعة سردك لقصص قد لا تتجاوز سطور بعضها الخمسة أسطر لكنها حبلى بكل العبر والمعاني والإسقاطات التي لو فكرنا في وصفها لآستغرقنا الكثير من الوقت واستنفذنا الكثير من الورق .
    يسألك إن كنت قد أضفت جديد ، بلى وجديدك واضح في كل حرف تكتبه ، بل اني أزبد وأقول أن النقاط التي بين الجمل في حد ذاتها تقول الكثير .

    نعيمة الطاهر

    ردحذف