22 يوليو، 2009

الْمَفْرَش

1
... أحضرت زينب أدوات التطريز.. عُلبة الإبَر ذوات الأحجام المختلفة.. وسَلَّة المكبّات.. والْتقطت كبَّة سلك بيضاء. ــ سأصنع مَفرشاً يُغطِّي الطاولة الكبيرة.. أو ربَّما سأُعلِّقه على الجدار.. لكن.. من أين أبدأ؟ ماذا أرسم؟
أخذت تُدير الكبَّة بين يديها.. وهي تفكِّر.
شردت أفكارها.. بدت ساهِمة وهي تُحلِّق في آفاقٍ بعيدة.. وتوقَّفت كبّة السلك عن الدوران.
أفاقت.. الْتقطَت الإبرة.
ــ سأبدأ برسم الخلفيّة.. في المنتصف سأُقيم بيتاً صغيراً بطابقين.. لا.. لا حاجة للطابقين.. بيت صغير فقط.. أمام البيت شجرة.. فوقها عصفوران.. يقفان بالقرب من عُشِّهما.
أخذت طرَف السلك.. قذفت بالكبّة بعيداً.. وبدأت الغُرزة الأولى.
بين أنامل زينب أخذت الأشياء تتشكَّل.. البيت.. الشجرة.. العصفوران.. العُشّ.. شمس ذهبية تتربَّع فوق حافَّة الأُفق.. أضواء.. ظِلال.. كانت زينب هذه المرَّة تصنع الآفاق.
2
... اكتمل المَفرَش.. أمسكتْه بأطراف أصابعها.. نشرتْه أمامها.. أخذت تتأمَّله.. تتملاَّه.
صعدت الشمس.. تحرَّكت الظِلال.. اهتزَّت الأغصان.. اقترب العصفوران من بعضهما.. انفتحت النوافذ.. تسلَّل شُعاع الشمس إلى غُرَف البيت.. دقَّت الطبول.. انطلقت الزغاريد.. دخل العصفوران عُشَّهما.. غمرهما الدفء.. أخذا يتناغيان.. وتحت الشجرة ظهر طفلٌ يَحْبو.
(1995)

هناك 3 تعليقات:

  1. أحييك على هذه القريحة المتفتقة أدباً .. دمت رائعاً

    ردحذف
  2. عبد الحمــيد بطــاو26 يوليو 2009 في 2:29 م

    اخي احمـد .... تحـية أعزاز ومــودة

    هاأنا جلست في ظلال هذه الخروبة الوارفة الظلال

    لأسترجع ايامنا الجميلة فى الجزائر واستمتع بكل هذه

    الروعة وهذه الابداعات المذهلة لك خالص مودتى

    ردحذف
  3. عصفوران ودفء ومناغاة .....
    نسج للكلمات تضاهي في الدقة حبكة غرز المفرش ...
    وااااااو .....
    صرت أحسدك على ما لديك من بعد للرؤيا ورسم للرؤى .

    ( الجالسة تحت ظلال الخروبة )

    ردحذف