12 يناير، 2010

منطقة نفوذ!!

1
... الجرو الأبقع يُقرّر هذا الصباح ألاّ يتورّط في أيّ نباح مجّانِي كما تفعل الكلاب الكبيرة التي تنبح حتى على الريح.. لكن قبل ذلك عليه أن يبدأ طقوس الصباح: يتمطَّى.. يتثاءب مادًّا رجليه الأماميتين حتى يتقوّس ظهره إلى الأسفل.. ينفض أذنيه بفرقعة.. يدسّ أنفه بين فخذيه ليطْمَئِنّ على فحولته.. يرفع رجله.. يبول.. يحرث الأرض بأظافره.. يكرّر ذلك في عِدّة أماكن ليؤكّد منطقة نفوذه!
2
... يتلفّت حوله.. يراقب الدجاجات.. تلتقط أشياء هنا وهناك.. يرفع وجهه.. ثلاثة عصافير تقف على حافة الجدار تُسوّي ريشها.. أسفل الجدار قطة تتشمّس.. منطقة نفوذه آمنة.. لا شيء يستحق النباح.
3
... يقترب من حافّة الوادي.. يتذكّر أنّه كان يسمع عواءً طيلة الليل.. الوادي يغص بالضباب.. يُقعي.. يُفكِّر ما إذا كان ينبغي أن ينبح على الضباب؟ لكنّه يَعْدل عن الفكرة بسبب خيوط الشمس التي أخذت تخترق الضباب.. يتساءل: (إذا فَكَّر في ضمّ الوادي إلى منطقة نفوذه.. فكم سيحتاج من البول لتأكيد ذلك؟!).
4
... يشفّ الضباب.. يكتشف الجرو أنّه يقف فوق الحافة الصخرية التي تؤطِّر الوادي.. يتطاول.. يظهر القاع السحيق.. تبدو الصخور الصقيلة وسط تعرّجات مجرى السيل.. يتراجع.. يَهِرّ.. يكتنفه ظل مفاجئ.. يرفع رأسه.. يرى سحابة صغيرة داكنة.. تنتهك منطقة النفوذ.. ها هو شيء يليق بالنباح.
5
... السحابة مسرعة.. الجرو يطارد الظلّ.. الظل يختفي وسط خضرة الغابة الغامقة.. يرفع رأسه.. ينبح.. يجري فوق الحافة دون أن يحيد عينيه عن السحابة.. يواصل النباح.. تنعطف السحابة لتعبر الوادي.. يشتد النباح.. ينعطف.. و... يسقط من فوق الحافة.. يتقلّب عدة مرّات.. يتقلَّب المشهد: غابة.. سماء.. غابة.. سماء.. صخور.. سماء.. يستقرّ على ظهره فوق الصخور الناتئة في مجرى السيل.
6
... خيط أحمر يسيل من زاوية فمه.. يتعرّج فوق الصخرة.. يتخثَّر فوق التراب.. يفتح الجرو عينيه.. يرى طرف السحابة يختفى من فوق حافة الوادي.. ينبح نبحة واهنة باتّجاه السماء.. ثُمّ يموت مفتوح العينين.
***
(2009)

هناك 5 تعليقات:

  1. هل قرار الموت نتيجة تورطه في اصدار قرار خاطي بتعطيل احدى الخصائص الفيسيلوجية لاقرانه ام نتيجة الجري وراء السراب وفي هذه الحالة كان علويا وليس سفليا

    ردحذف
  2. شكراً أخي محمد.. أنا شخصياً لا أعرف!!!

    ردحذف
  3. نعيمة الطاهر13 يناير 2010 في 11:54 ص

    أجمل ما في قصصك التقطيعات الوصفية القصيرة والمعمقة.. الوصف والسرد ، كما أن موضوعاتها تختلف ، ولا تنحى جانب التقليدية في بناء القصة وتنامي بنائها الدرامي حيث يجد القارئ نفسه وقد وصل إلى ذروة الأحداث بكل يسر وسلاسة .
    كل منا يحلم بأن تكون له منطقة نفوذ خاصة به ، وكثيرا ما نضيع من اجل الوصول إليها والسيطرة على كافة حدودها ، لكن ما يختلف أننا كثيرا ما نموت مغمضي العينين حيث تأتينا القاضية من خلفنا ويتم دفعنا من أعلى شواهق الأمنيات لذا لا نتحصل على فرصة الدحرجة التي هي نتيجة حتمية لمحاولة استكشاف مناطق النفوذ ، هناك رمزية في القصة قد تكون من منظور خاص جدا ، محاولة الوصول إلى النفوذ وامتلاك مناطقه يفترض أن لا يسلك فيها الباحث عن النفوذ طرقاً ملوثة وكذا يجب ألا يطمع في أن يكون كل العالم والمحيط منطقة له وحده يمارس فيها نفوذه ، وإلا فالنتيجة تكون هي السقوط ودق العنق .

    ردحذف
  4. شكراً نعيمة الطاهر.. تحليل عميق للنص.. أنتِ قارئة من طراز رفيع.

    ردحذف
  5. أجمل ما في قصصك التقطيعات الوصفية القصيرة والمعمقة.. الوصف والسرد ، كما أن موضوعاتها تختلف ، ولا تنحى جانب التقليدية في بناء القصة وتنامي بنائها الدرامي حيث يجد القارئ نفسه وقد وصل إلى ذروة الأحداث بكل يسر وسلاسة .
    كل منا يحلم بأن تكون له منطقة نفوذ خاصة به ، وكثيرا ما نضيع من اجل الوصول إليها والسيطرة على كافة حدودها ، لكن ما يختلف أننا كثيرا ما نموت مغمضي العينين حيث تأتينا القاضية من خلفنا ويتم دفعنا من أعلى شواهق الأمنيات لذا لا نتحصل على فرصة الدحرجة التي هي نتيجة حتمية لمحاولة استكشاف مناطق النفوذ ، هناك رمزية في القصة قد تكون من منظور خاص جدا ، محاولة الوصول إلى النفوذ وامتلاك مناطقه يفترض أن لا يسلك فيها الباحث عن النفوذ طرقاً ملوثة وكذا يجب ألا يطمع في أن يكون كل العالم والمحيط منطقة له وحده يمارس فيها نفوذه ، وإلا فالنتيجة تكون هي السقوط ودق العنق

    ردحذف