الحاجّة رَجعة بنت يونس تستعيد أَحداث مُعتَقَل الْمَقْرُون
حاورها: ابنها أحمد يوسف عقيلة بتاريخ 2007.9.22
الحاجّة الْمُجاهِدة رَجْعة يونس عبدالله سليمان البَرعصي من مواليد جنوب الجبل الأخضر سنة 1911 تسكن قرية عمر المختار بالجبل الأخضر.. حضرت معارك: عَقِيرة المطمورة ـ عَقيرة الخيل ـ الرّحَيبة ـ الْمحَجّة ـ الجوزات ـ الزَّيتون).(المصدر: من أعلام الجهاد لمصطفى سعد الهاين).
ـ يا حاجّة رَجْعة.. نهارِك سعيد.. نبُّوك اتْخرّفينا.. تَسْمعي فِيّ والاّ انْعَلِّي حِسِّي؟
ـ يسّهل الله.. السّمَع فيه ثَقْلَة والنّظر دَفْر.. هي قَولة الشاعر:
لا وذْن تَسْمَع لا عيُون ايْحقَّن
لا عظام عنْدي في البعِيْد يطِقَّن.
ـ البركة مازالَت.. رَبِّي يعَطِيك طَولة العمْر.
ـ (تَضْحَك) لا والله العمر طال نَيْن سمَط.. الحمد لله.. الدّنْيا ما عنْدي عَلَيْها شِيْ حَسُوْفَة.. عِشْت فيها ما سَدّ.. ورفاقْتِي كلّهم عَدَّوا.
ـ احْكي لنا ع الْمَقْرُون.
تغمض عينيها وتهزّ رأسها: سرِيْب طويل.. الله لا يعيده عَلَيْ مسلم.. في الْمَقْرُون كان عمري خَمسطاش والاّ ستطاشَر سنة.. لا أبّ لا أمّ.. بُوي مات في الحرب.. وأمّي ماتت ونا في ظهرها.. وَيْنما يخَطِّم طَيْر حَمام نبقو نقولو:
يا طَيْراً ما شي لْجبَلْنا..
قُول لْهَلْنا..
رانا في الْمَقْرون نزَلْنا.
يقولوا لنا الكبار: ماعد عندكم شِي هَل في الجبل.. هَلْكَم كلّهم في الْمَقْرون.
ـ يا حاجّة رَجْعة.. احكي لنا قَبْل.. أَيْش وَصّلِك للمَقْرُون.
_ بعد ماتت أمّي ومات بُوي وتقَزّنت عشْت مع بنت عَمّنا اهْوَيّنة.. رفيقة عصمان الشامي.. مشيت معاها للسَّلُّوم.. بعَدها الطليان يَسّروا عصمان الشامي.. وضمَنه الشارِف الغرياني.. ما خَلاهمش يشَنّقُوه.. وخَذه وخَلاّه معاه في حَوشه في بنغازي.. ودَزّ عَلَيْ اهْوَيّنة ونا مازلت معاها.. جِينا م السَّلُّوم في بابور بحر.. وينما نزَلْنا في مِينا بنغازي الْقينا عصمان الشامي ومعاه الشارِف الغرياني.. قعَدت مع اهْوَيّنة في بيت الشارِف.. كنت عَريانة وحَفيانة.. كَسّانِي عصمان الشامي.. شرا لي ارداء وثَوب.. بعدها عِلْمَتْنِي عَمّتِي رابحة بنت عبدالله.. كَيْ عِلْمَتْنِي جَت وخَذَتْنِي للمَقْرون.. هَلْنا كلّهم حايزهم الشّبَردق.. نحنا يا البراعصة في المقرون.. والعْبَيدات في العْقَيلة.. ومعانا ادرسه ومرابطين وكل القبايل.
ـ احْكي لنا علي يوم كامل في المقرون.. من طَلعة الشمس لاعند الليل.
ـ إيْوَة.. ما حَتّى انْعَطّلَك.. وَينما تطلع الشمس ايْجوا العسكرية الطليان ويقولوا للصّبايا رَفّعَن لروقة.. اروقة البيوت.. البيوت كلهن مقَرّنات في بعضهن.. أشواط أشواط.. وينما يرَفّعَن لروقة يبقوا يبخُّوا في دوا.. خايفين م المرض.. بعَدها يقسّموا علينا الرَّسْيوني.. كل بيت قدَح دقيق.. وكلّ مجموعة بيوت عندهن تَنُّور.. فيه صبايا يربطوهِن علي سَنّورة.. عَمود لوح طويل.. النهار وما طال لاعند الليل.. هذا دَيْدانْهم.. ما ايْخَلّوهن حتى يرضعَن عَويلهن.. يبقن يرضعن فيهم الصبايا لخرات.. كلّ وحْدة اشْوَي.. كلّ وحْدة اشْوَي.. مَصّة مَصّة.. ما اهْناك شِي حليب.. الحليب امْنَيْن؟ الحليب م الوكال الوكال ما اهْناكش.. الشّبَرْدَق فيه أربع أفواه.. كل فم تقابل فيه جبّانة.. والدفن ليل نهار.. اللي ما يموت من المشنقة.. يموت من الجوع.. حتى في الليل يدفنوا علي ضَيّ الفنار.
ـ قُولِي لِي يا حاجّة.. كانوا يجّوزَوا في المقرون؟
ـ إي والله! وحَياتَك معَ ها المعيشة الغَبْرا الدّبْرا كانن في جوايز.. يجيبوا الولِيّة عَلَيْ كرْعَيْها لاعنْد البيت.. ويلتَمَّوا.. كِلّ حَدّ يجيب رَسْيُونِيّه.. قدَح دقيق.. هذا حَدّها.. ويرْمَن الصبايا ويطَيّبَن الخبْزة.. وياكلوها معَ بعضهم.. إن كان فيه إيدام والاّ حَدُور باهي.. ما فيه ياكلوها حافية.. وباتَت الرِّيْح باتَت المطَر.. لو كان ما يجَّوزوا راهم منْقرضيْن.
ـ كانوا يقَرُّوا في العَوِيل في المقرون؟
ـ في لَوّل ما سال عَلَيهم لا والِي.. العرب ما يحسابَوا أَرْواحّم يطَولُوش في المقرون.. بعَد أَيّسَوا م الطَّلْعَة تَمّوا يقَرُّوا في العَويل خفْية.. ما يكتبوا الاّ بفحم.. ياخذوا فيه م التَّنُّور.. كِلّ يوم يبْرمُوا عَ التنانِيْر ويلمُّوا الفحم.. هذا دَيْدانْهم.. بعَدها خذوا برْمَيْس م الطليان.. ولَمَّوا العَويل وتَمَّوا يقَرُّوا فيهم في السّكُولا.. السّكُولا عند الطليان هي المدرسة.
ـ احكي لِي عَلَي يوم العَقِيْرة.. عَقِيْرة أمّ الشفاتِيْر.
ـ يوم العَقِيْرة.. كثروا الطليان ومعاهم المسوَّع والشناوير والبَندة.. كَيْ كثروا الطليان تَمَّوا العرب يسوقوا في الرّحْلان امقبِّل.. الرّحيل كمَن في العَقِيْرة.. والرّجّالة تَومْجَوا قبل الرّحيل.. الطليان سلاحهم ثقيل.. ومعاهم طيّارات.. والوطن بَرّ.. سفَرتَح.. تغلّبوا ع الرّجّالة.. هَيّسَوا عليهم.. اجفلَوا.. وينما اقْرَيِّب ايْجَبُّوا ع الرّحيل صَرَّخ حسين الجويفي.. قال: لا إله إلاّ الله.. وَين ماشيين.. قدّامكم صبايا وعيال.. مازالوا صغار.. الدَّور علينا نحنا في الموت.. اعْقْلُوا في لَرْض.. اعْقَلَوا ورَدَّوا الطليان.. واستشهد حسين الجوَيّفي.. عَلَيك راجِل حسين الجوَيّفي.. ما جاباته لا متْحَزّمة.
ـ وايْش حكاية الناقَة اللي قعَدَوا في ذراها؟
ـ الناقَة عليها حِمْل.. وَينما قعَدَوا في العَقيرة تَمّا الطير ايْطَيّح عليهم في البمب.. والبِل راحَت طراطيش.. وما اهْناك وين يلتجُوا.. صرّخ واحد وقال جيبوا الناقة الصَّفْرا وبَرّكُوها في وسط العَقِيْرة.. وَينما بَرّكَوها الْتَمَّوا من احْذاها.. الصبايا والعَويل.. تَمت البمبة اللي اتْطيح اقْرَيِّب م الناقة ما تنفجرش.. الناقة عليها مصحف.. العرب كانت عندها عَقيدة!!
ـ احكي لي علي عَيْت التواتِي.
ـ عَيْت التواتِي اخوة.. محمد وعمر.. ضنا سِيدي.. تَمَّوا يقلبوا في كَرهبة من كراهب النصارَى.. الكَرهبة كيف يقلبوها تقعد برضها.. كراهب الطليان ما ينفعنش.. غير العرب ما في ايديْها لا شَيّ.. بعد تَمَّوا يقلبوا في الكَرْهَبة اضربتّم كرهبة أخرى وقتلتّم.. بعد انتهت العَركة دفنوهم في قَبْر واحد.. قعدت امّهم تبكي عليهم حَوْل كامل.. كل يوم تبكي.. ما تَوعَى في الصبح إلاّ تبكي.. هذا دَيدانْها.. ع الْحَوْل خَطَّم الرحيل من يالا الْجَبّانة.. قالت نريد نزور قَبْر ضناي.. وينما جَت للجَبّانة حَلّت القَبْر لقيتّم كَيْ يوم دفنتّم.. ما فيه حاجة متغَيّرة منهم.. تقول امْرقّدين.. يقولوا المجاهد ما تاكْله لَرْض ولا ياكله الدُّود.. بعدها احْلفَت أمّهم ماعَد تبكي عليهم.
ـ وأيْش حكاية خالتي مسعودة بنت التّواتِي مع باريلا.
ـ هَذي في مراوة.. مسعودة أكْبَر منِي.. الله يرحمها ويخفِّف عنها التراب الثقيل.. طلَبْها بارِيلا.. حَطّت ايدَيْها في السما.. قالت والله ما ناخذ طلياني.. حايلَوا عليها.. قالوا لها خير لِك.. باريلا كابُّو كبير.. قالت والله ما تنكتب عليّ ناخِذ نصْرانِي عدو الله والوطن حتى لو مشطت الشَّيْب.. تَمّوا كلّ نهار ياخذوها العسكرية ويربطوها في الشمس.. مَرّات يربطوها مع شعَرها.. لاعند الليل.. شهرين بالهلال وهي بْها الشكل.. ومسعودة لا تلين لا تنقدع.. والعسكرية المطلينين اللي يمسكوا ع الحبس يقولوا لها اثبتي عَلَيْ دِينِك.. ما اتْخَلِّيش الكافر يغلبِك.. بعَدها كي اوْحِل فيها باريلا دَزّها للمَقْرون.. وفي المقرون قدّموا شكوَى لواحد آخر.. كابّو كبير.. أكبر من باريلا.. قال له خَلّيها عَنّك.. ما تاخذهاش بغير رادتّا.. الجوايز ما هنش بالغَصْب.. وفَكّها الله من بارِيلا.
ـ احكي لي علي يَوم رواج.
ـ يوم رواج جَن طَيّارتين وحامَن فوق الرّحيل.. تَمّا عمّك محمد بوعقيلة الْهَنْكري يضرب في الطَّيْر وهو مصَبّي.. قالوا الْتجي في الحَجْف.. قال عَيْب وشَيْب.. والله ما تنكتب عليّ الميتة تحت حَجْف.. الموت وحْدة.. وتَمّا يترجَّز وهو يضرب في الطَّيْر ويقول:
حَوِّد يا طَيْر على ام الخيْر.
طيّحوا الرجّالة طَيْر.. اقْرنَوا فيه بالبنادق.. الطَّيْر لاخَر حام.. وتوطّا.. ورَدّ علينا البِل.. وطَيَّح بمبة قتلت عمَّك محمد بو عقيلة.. قسماته نصَّين.. وردَّوا عليه في الليل ولَمَّوه ودفنوه.. ييييييه! اسم الله علينا ياما لحَظْنا.. اصْبح الواحد جِلد عَلَيْ عظم.. كنا نلمّو بعر البِل.. وناخذو حَبّات الشعير الممْصوصة اللي في البعر.. ونحمّصوهن وناكلوهن.. كنت نبكي علي سْدادة القِدر.. قطعة عجينة سودا م الدخان.. القِدر طايرات ذانه.. وَينما يريدن يسَوّن فيه يسدَّن ذانه بقطعة عَجينة.. وينما يَدْفعَن القِدْر من ع النار نبقَى نبكي ع السّدادة.. وحَياتَك مَرّات ما انْحَصِّلْها! اسنين جَوْع.. حتَّى الذِّيْب في الوديان جاع!!
تفِكّ محرمتها وتقول: رَيْت (تشير إلى أثر الشَّظية في رقبتها) مَرّة طيَّح الطير بمبة علَي نجعنا.. قتلت أمِّي مبروكة.. رفيقة بُوي.. وصادَتْنِي منها شرِّيكة في رقبتي.. وردَّت عليّ عَمّتَك أم الخير بنت عقيلة .. ربطت راسي بالمحرمة.. وجلَينا.. وردَّوا الرجّالة على النجع.. ولقيوا وليّة مقتولة.. راسّا مقطوع.. وعَيِّلها عَلَيْ صدرها.. ويرضع!! اسم الله ع العرب.. ياما نظروا مِن هَوْل.. وهـاااااااذا سريب الحرب والمقرون يا بُوي... ان شا الله ما تنظروا كدا.. الله يفِكّ الوطن م الحرب والكَرْب.. وين عَكُّوزي؟
***
مؤثر جداً هذا السرد من شاهدة على تلك الحقبة .وجميل جداً هذا الحوار والحميمية مع والدتك في ظل خروبتك يا أحمد .الله يونسكم ببعضكم ولا يفرق بينكم. صحيح أن الوطن مرّ بحقبة الاحتلال العصيبة لكن أهله كانوا في مستوى الحدث فصبروا ورابطوا وجاهدوا ودللوا على أن الوطن غالي (غلا الروح والنفس).فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.الله يرحم الحيين والموتى .أسأل الله أن يطيل في عمر والدتك وأن يحشرها مع الصديقين والشهداء والأبرار.آميييييين.
ردحذفحكايات صادقة بنية طيبة مع اهل البركة الذين بقي القليل منهم فى هذه الايام ولذا لم تعد الامطار تهطل علينا بغزارة كما في السابق
ردحذفالسيد: أحمد يوسف عقيلة / المحترم
ردحذفإنني أتذوق اختيارتك في كل مرة أزور فيها موقع (facebook)، وأحب أن احيي فيك الأسلوب الممتع الذي نفتقده في كثيرٍ مما يستهلكه الدخلاء من ورق وإمكانياتٍ أخرى.
برجاء قبول احترامي وإعجابي
الدكتور: أشرف محمد بلها درنة/ ليبيا
شكراً دكتور أشرف.. أسعدني مرورك.
ردحذفياريت اتنزل هالسريب في صفحتك على الفيس ، ربي يحفظها لك و يونسك بيها،
ردحذف