16 سبتمبر، 2009

عَنَاكِبُ الزَّوَايَا العُلْيَا

1
... تسلَّل الفجر.. شَحُب القمر.. لمعت بيوتُ العناكبِ المُثقَلةُ بالندَى.. توضَّأت زَمْزَم.. صلَّت.. أطالت الابتهال.
للابتهال في هذا الفجر معنىً خاص.. فاليوم ستقبض المعاش لتشتري ملابس وهدايا العيد لأحفادها الأيتام.
أجفلتْ.. ضمَّت يديها.. فقد خُيِّل إليها أنَّ عنكبوتاً قد تدلَّى من السّقف.
2
... احتذتْ خُفَّيها.. أخذت جَرْدَها.. طَوتْه.. كوَّمتْه فوق رأسها.. الْتقطت مكنستها.. صلبتْها فوق كتفها جاعلةً رأس المكنسة إلى الخلف.. وانطلقت إلى عملها.
الوقت لايزال باكراً.. الشوارع خالية.. تلفتت باحثةً عن أي شخص لتُلقي عليه تحية الصباح.. تريد أن تقول (صباح الخير) لكل شيء.. للضباب.. للقطط.. للكلاب.. لغربان الصباح.. حتى للذئاب في الأودية!
لم يكن يُكدِّرها في ذلك الصباح سوى شيئين.. الأوساخ المُتجمِّعة في زوايا مُزعجة تحت الأثاث.. كان ذلك يتطلَّب منها أن تجثو على ركبتيها.. وتمدّ المكنسة لتطال تلك الزوايا اللعينة.. كما كانت تزعجها عناكب الزوايا العُليا.. بل تُشكِّل لها حساسيةً خاصة.. تجعلها تُحسّ بدبيب الأرجل الرخوة في كل جسدها.. حتى بدأت أحلامها تزدحم بالعناكب.
3
... كانت تَصرُّ المعاش في شِمْلتها.. تُعدِّد الأشياء التي تنوي شراءها: (الملابس.. الهدايا.. الحلوى.. ومكنسة خشنة)!
في تلك اللحظة رفعت رأسها إلى السّقف.
4
... عادت.. تمشي بتمهُّل.. مع كل خطوة ترنُّ المفاتيح في الشمْلة.. إيقاعٌ مُحبَّب إلى نفسها.. يجعل خطواتها تنتظم.. لكنَّ ذلك كلَّه لم يكن يمنعها من التفكير في العناكب.. وقد أرعبَها أنَّ عطلة العيد ستكون أربعة أيامٍ كاملة بلياليها.. (ثمان وجْبات).. وقتٌ أكثرُ من كافٍ لتكتظَّ كلُّ الزوايا بهذه المخلوقات المُقزِّزة.
أثناء الخطوات المتوافِقة مع رنين المفاتيح.. لفت انتباهها بعض الرجال يَمدُّون أذرعهم لطرْح لافتة قماشية على واجهة أعلى مباني القرية.. أحسّت بالدبيب يسري في جسدها.. فابتعدت مُسرعة وهي تكزُّ على أسنانها.. وتشدِّد قبضتها على المكنسة الخشِنة.
***
(1995)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق