1
... قال الأستاذ (أَنيس) موجهاً كلامه إلى سكرتيرته:
ــ اكتبِي صيغة إعلان عن اجتماع إدارة الشركة يوم الأربعاء القادم.
ثم تشاغل بالحديث مع ضيوفه.. وهو يتأرجح يميناً ويساراً مع الكرسي الدَّوّار.
2
... الأستاذ (ونيس) مدير شركة كبرى.. يحظى بكل لوازم المدير: مكتب ينطق بالفخامة.. سكرتيرة مصبوغة أمام جهاز حاسوب.. هاتف نقّال.. مرسيدس وصاية من ألمانيا رأساً.
غيَّر اسمه إلى (أنيس) تَمَشيِّا مع الحداثة! يرى أنَّ العبرة ليست بالشهادات العلمية.. فهي مجرد رُخَص تَمنحها الجامعات.. لذلك فهو يفتخر بأنه لم يتخرج من الجامعة.. ويقذف في وجهك (العَقّاد) دائماً كمثلٍ صارم للدلالة على عدم جدوى الشهادات.. ويحشر في أحاديثه ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ كلمات من قبيل: (العولمة.. الاستنساخ.. ثقب الأوزون.. سقف الإنتاج.. حَرْق المراحل.. الرعي الجائر.. البروباقاندا).
3
قالت السكرتيرة:
ــ يا أستاذ أنيس.. في كلمة (الأربعاء) الهمزة فوق الألف وإلاّ على السطر؟
يسري السؤال في جسده صاعقاً.. يقفز.. يحس في حلقه بطعم الهمزة اللاذع.. يحكُّ خلف أُذنه.. يتبدَّى له غباء سكرتيرته شيئاً لا يُطاق.. شيئاً ثقيلاً يزحم المكان.. بل يبدو أنفها طويلاً أكثر مما ينبغي.. يبتلع ريقه.. يَشْرَق.. يسعل.. يعطس.. يزحر.. يفتح النافذة.. يرى الأفق يقترب.. السماء تَهبط على الأرض.. تتحول كل الكائنات إلى همزات.. همزات طائرة.. راكضة.. زاحفة.. فيغمض عينيه.. يَصفِق النافذة.. يُطفئ المصابيح.. يُشعلها.. شيء ما يقرصه بين كتفيه.. يلصق ظهره على الجدار.. يحكّه.. يسحقه.. ها هي الهمزة تتحرك من الحلق إلى الصدر.. نازلةً ببطء كالنصل الحاد.. ينحنِي إلى الأمام واضعاً يديه على صدره.. فتنْزلق الهمزة إلى الأسفل.. تتغلغل ممزِّقةً الأحشاء.. يتسرَّب من بين فخذيه سائل دَبِق.. يتعثَّر بأحد الضيوف.. في تلك اللحظة فقط يكتشف وجودهم.. يُسدِّدون عيونهم نحوه.. أصابع السكرتيرة متوقفة على لوحة المفاتيح.. توقَّفت الساعة الحائطية.. كفَّت الكرة الأرضية عن الدوران.. يَفْزَع إلى الحَمّام.. يسمع أحد الضيوف يقول بخُبث وشماتة: (الهمزة التي قَصَمت ظهر البعير).. فيحدودب ظهره.. وتنبت له ذروة! جدران الحمّام تزحف إلى الداخل.. مصباح السقف يكاد يلامس البلاط.. يتهالك.. يَبْرك.. يصرخ بأعلى صوته.. صُراخاً أَقربَ إلى الرُّغاء:
ــ خَلِّي الاجتماع يوم الخميس!
***
(2001)