18 يناير، 2011

ما وَراء الْخَبَر ..

1

... في إحدى الليالِي.. الأميْر ببذلته السوداء الأنيقة.. وصراحته الجارحة أحياناً.. يختم حديثه قائلاً:

ـ ... واللي ما يعجبه يشرب من البحر.. من أطول ساحل على البحر المتوسط!

على الرغم من ظاهر العبارة إلاّ أن الأمير قد قالها دون غضب.. حتى إن ابتسامته ملأت وجهه.

... قبل استيقاظ الغربان في وادينا.. كان أَهل القُرى التي تقع في مجملها على الساحل يتجهون ناحية البحر.

2

... عند ارتفاع الضحى كانت الحركة باتجاه البحر ظاهرة.. على الأرجل.. في السيارات.. تزدهر تجارة البراميل والجالونات البلاستيكية.. من ذوات سعة اللتر الواحد.. إلى القلالين الكبيرة التي لا يمكن حملها إلاّ في السيارة.. تظهر إعلانات من قبيل: (تخفيضات هائلة في ثمن القلالين).. (إذا كنت غير قادر على الذهاب إلى البحر.. فسنجلب لك البحر إلى بيتك).. تغزو الأسواق زجاجات شراب البحر بأحجام عائلية.

3

... على الطرق الإسفلتية المؤدية إلى البحر تنبت البوابات والحواجز الأمنية.. يظهر المهرِبون.. وتجّار الأزمات.. يبرز الحمار كأفضل وسيلة للسير في الطرقات الجبلية الوعرة التي تمر عبر الغابة.. تظهر مقولة: (حيث تقف السيارة يبدأ الحمار).. تصدر صُحف يومية وبعض المطوِيّات لمواكبة الحدث.. يغلب على أغلفتها اللون الأزرق.. تبرز مؤسسات خيرية لجلب شراب البحر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة!

4

... يحدث سوء تفاهم متوقّع على الحدود البحرية بين قبيلتين تقع أراضيهما على الساحل.. حين تكتشف القبيلة أن فرداً من القبيلة الأخرى كان يملأ برميله من مياهها الإقليمية.. يتطور سوء التفاهم إلى اشتباك بالأيدي والحجارة والعصي.. لم تقع ضحايا.. لكنّ تلك الموقعة سُمّيت: (يوم البرميل)!

5

... الحركة ناحية البحر تنشط بشكل ملحوظ.. الإبل تترك صحراءها في طوابير طويلة متعرجة ناحية الشمال.. الذئاب والضباع والكلاب والقطط تلغ من البحر.. النمل خطوط سوداء طويلة.. حتى الحلازين تختط دروبها اللامعة منحدرة إلى الشاطئ.. الحركة ترصدها الأقمار الصناعية.. يبدي الاتحاد الأوروبي تخوّفه من أن تكون تلك الحركة هجرة غير مشروعة.. فيعرض تقديم زوارق سريعة لخفر السواحل.. حسب ما تنص عليه اتفاقية الشراكة.

6

... العدوى تصيب العاصمة.. تريد الحكومة إصدار فتَوى تحرّم شرب ماء البحر.. لم يكن فضيلة المفتي العام في مبنى الأَوقاف.. يشاهدون فضيلته جالساً على رمال الشاطئ.. يغترف من ماء البحر ويتمضمض متحجّجاً بالحديث الشريف (الطهور ماؤه).

7

الروحانيون والسحرة يرصدون جِنّ الكهوف والمغارات يمشون فوق الزبَد.. الأخبار تتحدث عن أن مياه البحر أخذت تنحسر.. البحر ينزح!

8

... المنظمات الدولية المهتمة باستطلاعات الرأي والإحصاءات تُصدر: (على الرغم من أن سكان الصحراء والمدن الساحلية في بلادنا لا يتجاوزون الستة ملايين نسمة إلاّ أن عدد الشاربين من البحر قد بلغ سبعة ملايين!).

... في قراءة لما وراء الخبر: (إن بعض الوافدين والمقيمين من العرب والأجانب والسّياح قد شربوا من البحر أيضاً.. لم يتسنّ تأكيد الخبر من مصدر مستقلّ.. أو ربما يكون بعض السكان المحليين قد شربوا من البحر أكثر من مرّة!).

9

... قُبيل المغرب.. خَطّ البحر يشطر الشمس.. الأمير يقف وحيداً.. حافياً على حافة الموج.. يُحسّ بخدر المياه تلمس ساقيه.. الرذاذ ينقّط بذلته السوداء الأنيقة.. يبلّل وجهه.. يُخرج لسانه مستشعراً طعم الملح.

***

(2007)

09 يناير، 2011

ضباب..

ــ يا له من ضباب!!

ــ من أنت؟

ــ ضباب.

ــ مراد؟

ــ ضباب.. ضباااااااب!!

ــ سمعتك.. لماذا تنهق؟!

ــ على ذِكْر النهيق.. أنا أبحث عن حمار أشهب ضائع منذ البارحة.

ــ تبحث عن حمار أشهب في الضباب؟!

ــ حماري لونه مميّز.

ــ ليس هناك مميّز في الحمير.. كلها حمير!

ــ احترم نفسك!

ــ يوم مضبِّب.. كلامك مبلول!

ــ ألم تشرق الشمس بعد؟

ــ نحن في الضحى.

ــ الحمد لله أن الأولاد وصلوا المدرسة قبل الضباب.

ــ هل أنت هذا الخيال الذي يتحرك عن يميني؟

ــ كيف أعرف أنني عن يمينك؟!

ــ واااااو.. شيء ما لمسني.

ــ لعله حماري.

ــ لا.. هذا الشيء ملمسه وَبَري!

ــ قبل أن يعم الضباب رأيت ذئباً في الجوار.

ــ أسمعُ وقع حوافر بعيد.

ــ أنا أمدّ يديَّ أمامي.

ــ هذا أفضل.. حتى لا يصطدم بك أي حمار!

ــ خفق أجنحة فوق رأسي مباشرة.. كاد أن يصطدم بي هذا الغراب.

ــ عليك أن تمد يديك فوق رأسك.

ــ على المرء أن يكون أخطبوطاً ليمد أذرعه في كل الاتجاهات.

ــ ربما عليه أن يكون قنفذاً متكوراً.

ــ انتبه.. سيارة قادمة.. ابتعد عن وسط الطريق.

ــ أي طريق؟!

ــ ابحث عن الخط الأصفر في طرف الطريق.

ــ الطريق ليست مخططة.

ــ السيارة تقترب.. ابتعد.

ــ من أي اتجاه؟

ــ ابتعد فقط.. ألا تسمع صرير العجلات؟

ــ اسمعه من الجهتين!

ــ اهرب.. اجفل.

ــ في أي اتجاه؟

ــ اهرب وخلاص.

ــ يا راااااااااااب!!

ــ ... ... ...

... سكون.. وقع حوافر.. وعواء ذئب تحت الضباب.

***

(2010)

حساب..

... الطفل في مجثم الدجاجة.. يُحصي البيض في أصابعه.. يحكّ أنفه.. ثم يكسر بيضة ليستقيم الحساب..!!

***

(2010)

ترقُّب..

... المرأة في سريرها ذي الملاءات البيضاء الباردة.. تنظر إلى القمر من خلال النافذة المقضّبة.. تميل رأسها لتضع القمر داخل مربع القضبان.. تمسِّد شعر طفلتها النائمة.. ترهف السمع مترقّبةً وقع خطوات زوجها.. وطرَقاته.. على الرغم من شهادة الوفاة المجعَّدة على طاولة الزينة..!!

***

(2010)

الملح..

1

... الزوجة ـ في غير ليلتها ـ تسمع قهقهات ضرّتها.. وهمسات زوجها.. تغربلها رائحة البخور.. تكزّ على أسنانها: (الضرّة مضرّة)..!!

2

... تتسلل حافية إلى مطبخ الضرّة.. ترفع غطاء الحلة.. يجتاحها بخار الطعام الشهي.. ترش الكثير من الملح.. الكثير من الملح.. تعود على مشطي قدميها.. وهي تبتسم.. وترهف السمع.

***

(2010)

الفزّاعة..

... قُبيل الفجر.. الذئب يلعق بقايا الدم المتخثر في زاوية فمه.. يتشمم الفَزّاعة.. يبول على أسفلها.

***

(2010)