إلى الشاعر عبدالباسط أبوبكر محمد
1
... يرتوي الثور حتى ينتفخ.. لكنّ ذلك لا يُخفّف من حِدّة غضبه.. فهو غاضب منذ الصباح.. من قبل أن ينقشع الضباب.. بل من قبل حتى أن تطلع الشمس.. لا يَعرِف سبباً مُحدَّداً لغضبه.. إنّه غاضب وكفى.. من ذلك النوع من الغضب الذي يفقس المرارة.. يَحكّ جبهته بطرف الحوض الصخري.. ينطح عِجلاً مُرقَّطاً.. يخور مُبتعداً عن القطيع.
2
... كان يدّخر تلك النطحة للعجل منذ شهور.. لكنّه في أوقات هدوئه القليلة يؤجِّل ذلك.. وقد تهيّأت الظروف الآن.. ذلك العجل بالذات كان يُغيظه على نحوٍ ما.. وهو يعرف سبب ذلك بوضوح.. فهو ثور محلِّي.. وطني.. أحمر يميل إلى الاصفرار.. له قرنان حادّان.. مُقيم في هذا المرعى منذ الولادة.. وعلى الرغم من أنّه متأكد من كونه والد ذلك العجل .. إلاّ أنّه مُستاء لأنّ العجل جاء مُرقَّطاً كأمه الأجنبية.. كان يَعُدّ ذلك نوعاً من العقوق.. فلماذا لا يُشبه الأبناء آباءهم في هذا الزمان؟ على كل حال لَم يكن ذلك هو سبب غضبه في ذلك الصباح.. يبتعد كثيراً عن القطيع وهو لا يزال يخور.. على طريقة الثيران في التفكير بصوتٍ مرتفع.
3
... هناك إبل في أسفل الوادي.. ترعى الأشواك النامية على حافة مجرى السيل.. يُحَدّد الثور موقع الجمل.. يُدرك أنّه على مسافةٍ آمنة.. يقترب من ناقةٍ في طرف الإبل تقضم البَيْروف باستمتاعٍ ظاهر.. يحاول لَفْتَ انتباهها.. ينفخ الهواء من منخريه.. يحفر الأرض بحافره.. تُلقي عليه نظرة فَوقيّة لا مُبالية.. وتواصل قضم الشَّوك.
يدور حولها مُتأمِّلاً.. تسحره العينان الواسعتان والأهداب الغزيرة.. يتساءل ماذا تفعل بكل هذه الأرجل الطويلة؟ لكنّه يُدرك أنّ الرقبة طويلة بسبب طول الأرجل.. يغمره شيء من السرور لتوصله لهذا الاستنتاج.. يُحسّ بأنّ غضبه بدأ يخفّ.. لا يستطيع إخفاء إعجابه بهيأة الناقة المهيبة.. يقول متودِّداً:
ــ هل تؤمنين بالعلاقات المتفاوتة؟
تحرّك شفتها العُليا المشقوقة.. لا يعرف هل غضبت.. أم أنّ هذا هو شكل ابتسامة الإبل؟ يقول:
ــ أعني لو أنّ ثوراً أحبّ ناقة مثلاً.. ألا يُمكن للواحد أن يحبّ من طائفة أخرى؟ ألا يُمكن أن تنشأ علاقة بين ذوات الحافر وذوات الخفّ؟
تلتفت إليه وهي لا تزال تلوك المرّير.. تزدرد اللقمة.. يتتبّعها وهي تنْزل مسرعة داخل الرقبة الطويلة المعوجّة.. يستنتج أنّ لقمة الإبل تقطع رحلة طويلة.. يتمنَّى أنّ ذلك لن يكون له أثر سلبي على العلاقة التي يُخطّط لها.
قبل أن تلتقط شوكة أخرى تقول:
ــ هل تستطيع السير في الصحراء بهذه الحوافر المشقوقة الحادة؟
يفاجئه السؤال.. يشتمّ فيه رائحة السخرية.. فيَردّ:
ــ إذا كان الحصان يستطيع فأنا أستطيع أيضاً.. لكنّ هذا ليس ما يشغلني.
ــ أعرف ما يشغلك منذ اللحظة التي درت فيها حولي دورةً كاملة.. لا تقلق من هذه الناحية.. هذا أمر مقدور عليه.. يُمكننا أن نستغل التضاريس.. من أجل ماذا وُجِدت التضاريس؟!
يُحسّ الثور بأنّها قد وفّرت عليه الكثير من الكلام.. وقطعت شوطاً هائلاً لَم يكن يتصوّره.. يبدأ التفكير في الخطوة التالية.. تفاجئه بسؤال آخر:
ــ هل تقدر على تحمّل العطش لعشرة أيّام؟
ــ سأحاول.. في الواقع أنا أشرب يوميًّا.. لكن يُمكنني التحمل ليومٍ كاملٍ دون شرب.
ــ يوم كامل!
ــ أعني أنكِ تدّخرين الكثير من الماء.. ويُمكننا أن نتقاسمه!
تردّد بتمهُّل:
ــ يوم.. كامل.. دون.. شرب!
ينظر إليها متسائلاً (هل يعني هذا أنّها وافقت؟).
4
... في اللحظة التي يَهمّ فيها الثور بسؤال الناقة.. يُفاجأ بالجمل يهدر وراءه.. فيتنحَّى عن طريقه.. ينظر إليه من بعيد وهو يسوق الناقة في أثر الإبل.
5
... يصعد الثور مع سفح الوادي وهو يفكّر: (إذا أنجبتُ مخلوقاً من هذه الناقة هل سيشبهني أم يشبهها؟ اللعنة.. هذا العالَم مليئ بالظلم.. عالَم يحول فيه حافر مشقوق دون الحبّ.. يا للتفاهة.. لو أملك القدرة لأعدتُ صياغة هذا العالَم على أُسسٍ أخرى).
يبتعد وهو يشعر برغبة جارفة في أن ينطح العجل المرقَّط مرةً أخرى.
***
(2008)
الكاتب / أحمد يوسف عقيلة
ردحذفكل نص وأنت متألق أكثر ..
وكل عام وانت بخير .
أخيك / عبدالحفيظ أبوغرارة
شكراً أخي عبدالحفيظ بوغرارة.. نورت الخروبة.. لاشك أن خروبتي الليلة تتيه على كل الخراريب.
ردحذفلا تجمع الخروبة دعها خروبة لأنك من يوم قلت خراريب وهي .......مانبيش انزعلك
ردحذفمبروك التكريم ومزيد من التألق
ردحذفأحمد هذا ثور ثوري وعليه أفكار تقدمية وواضح عليه آثار العلمانية ، وبصراحة هذا ثور يخيف القطيع خصوصا القطعان المختلفة عنه .
ردحذفشكراً أخي زهران القاسمي.. أسعدتني بمرورك.. نلتقي قريباً هناك في عُمان.. وجبلكم الأخضر.
ردحذفاعتقد ان غضب الثور سببه قصر رقبته, وكان بأمكانه استعمال كتف العجل المرقط بدل من ظربه في الرايحة والجاية, احسنت استاذ احمد واللهي كانني كنت جالس مع الثور و الناقة استمع لحوارهما.
ردحذفجمال المغربي.
احذر صديقي جمال حين تكون جالساً مع الثور!!
ردحذف" هذا العالم مليء بالظلم ...عالم يحول فيه حافر مشقوق دون الحب ..."
ردحذفكنا نعتقد أن الحب لا حوائل تعوقه ، ولا معوقات تمنعه ولا اختلافات تمنع وقوعه ....
يقولون أن الوقوع في الحب أسهل من الإصابة بالزكام.. لكن يبدو أن لغة القلوب هي التي تقرر لحظة ميلاد الحب ليس الحافر المشقوق وغيره ما يحول دون الحب لكنها النوايا التي تخفيها الصدور وتنام خلف لأهداب الطويلة التي تبدو في الغالب ناعسة ، قد يأتي الحب في لحظة نظنها خارج حدود الزمن ، وقد يهجم وقت أن يكون لدينا اليقين بأنه لم يعد من مكان له ، لكنه يهزمنا ويأتي ... !!
من انا صغير اسمع فى غية الثور فى الناقة نين اطلعت على قصى الحافر المشقوق
ردحذف