24 فبراير، 2010

البتول

(إلى جيلاني طريبشان)
1
... هل سمعتم بصمت الآبار العامرة بالمياه؟ الصمت المُغلَّف بالعتمة؟ العتمة التي لم تفتضّها الدِّلاء منذ أَمَد؟
2
... أنا بئر سبيل في ملتقى الدروب.. دروب المِيراد.. وطرق القوافل.. حيث يُصافحونني بدِلائهم التي تلثم جدراني.. كنت قِبلةً لكل الأحياء.. حتى لطائر الرَّخم الأبيض اللمّاع.. الرخم العابر الذي لا يُعشِّش عندنا.
لا أدَّعي أنني أفعل الكثير.. أنا فقط أستقبل الغيمة التي تجوب السماء.. أَحْضُنها.. أُذيبُها.. أدَّخرها لكم في أعماقي.. حفنة من الطهارة.. تلامس أجسادكم التي هَدَّها السفر.. وأرواحكم الأكثر ظَمَأً.. فأين أنتم؟ سئمتُ صفير الرياح في البراري.. أفتقدُ أصواتكم.. وَقْعَ خطواتكم.. وجوهَكم التي تُشرق في عتمتي.. رجفةَ الماء حين ملامسة الدِّلاء.. أَهَبُ عمري كلَّه من أجل (سِلَّيْوَة) تغمس ريشها في صدري.
3
... هل مِن واردٍ يُحرِّك كل هذا الركود؟ يُجدِّد الدروب الدارسة.. الباهتة.. يبدو أنه زمن الآبار التي تستجدي العطشَى.. الآبار التي حادت عنها الطُرُق.. هل كنتُ مجرَّد مَعبَر؟ كيف لي أن أستقبل المطر القادم؟ هل سأغدو مجرد كهفٍ مظلمٍ تُعشِّش في سقفه العناكب؟ يهجرني (السّلَّيُو).. ويقطنني البوم والخفافيش.. وكل عُشّاق الظلمة؟ لا أُطيق التحول إلى بركة آسنة.. أنا الحَلَمة الثَرَّة في هذا القَفر.. لِمَن أحمل كلَّ هذه الطهارة.. هذه القداسة المُرعِبة.. كَرُعب (العذراء) حين حملت النبي.
4
... الطريق الدارس يلوح كوشمٍ غابر.
حين بدأت المياه تخضرّ.. كانت نداءات البئر قد خفتتْ.. فتشقّق.. وشَرِب نفسه!
***
(2001)

هناك 6 تعليقات:

  1. الله ، الله ، الله .....
    ماذا تركت لنا لنكتبه تعليقا على هذه الإبداعات
    أي تشبيهات هذه : عتمة لم تفتضها الدلاء منذ أمد ، رجفة الماء حين ملامسة الدلاء ...
    لقد جعلتني أشعر أن البئر كائن موجود يتقد حيوية وتتدفق فيه دماء الحياة .....
    ما اريد أن أقوله ، ليس البئر المهجور وحده يتشقق ويشرب نفسه ، هناك أناس يدفعهم هجر أحبتهم إلى ممارسة فعل الذبول والتلاشي تماما كهذا البئر الذي شرب نفسه ...
    البتول !!

    ردحذف
  2. it true you are as
    بئر سبيل في ملتقى الدروب.. دروب المِيراد.. وطرق القوافل.
    قِبلةً لكل الأحياء

    ردحذف
  3. رائع يا أحمد عقيلة.. أعجبتني كثيرا..جميلة هذه الكلمات ؛أعتقد أنها غيمة مثقلة بحكمة الزمان والمكان قد افلتت قطراتها فتساقطت على ذلك الجبل ..غسلت تلك القمم ،وسالت تلامس أشجار الخروب وتعانق أزهار الأقحوان..ثم انحدرت صوب الدروب والوديان؛ هكذا إلى أن احتضنها بئرك وادخرها في أعماقه..وها نحن اليوم نرد بئرك .. نصافحه بدلائنا .. فانت لست كهفاً مظلما ، بل بئرُُ ملأى بالعطاء..عامرة بالحياة؛ يقصده عطشى الكلمات الساحرة.. وأنا نمهم.
    علاء

    ردحذف
  4. فعلا أنت رائع أيها النقاش المبدع ، أنت لا تكتب كلمات ولا ترتب حروف ، إنك تنقش على صخور الجبل الأخضر الزاهية حكاية قاص سبق غيره إلى التفرد والتميز فكتب مالم يستطع غيره كتابته ، أنا قرأت كتاب الجراب وصرت أوقن أن حياة المعاناة والبساطة التي عشتها هي التي ولُدت فيك كل هذا الإبداع ، ما أريده منك تفضلا أن لاتتوقف عن الكتابة ، أنت تؤرخ لحياتنا وتكتب سيرة وجودنا هنا في ليبيا ..... وحتى وإن جف البئر ستظل القوافل ترد إليه ، تأتي عند فمه وتنادي ( يابير فيكش مى ؟ )

    نعيمة الطاهر

    ردحذف
  5. إنها قصيدة رائعة!! تذكّرنا بقول الشاعر إبراهيم بوالفحلة: يا بير كم غاشي عليك توارَد.. سبحانه اللي بومك اليوم تغارَد.
    دُمت كاتبًا ساحرًا..

    ردحذف
  6. لماذا الي الجيلاني طريبشان ؟

    ردحذف