14 فبراير، 2010

الصَّقِيْع

الثلج في قريتي
1
... صقيعٌ.. صقيعٌ.. صقيع..
الأبواب موصَدة.. والنوافذ.. المعاطف مُزرَّرة إلى الرقاب.. الأيدي في الجيوب.. أو تحت الآباط.. أسلاك الكهرباء تَعْوي.. الجليد يتكوَّم أسفل الجدران فيُشكِّل إطاراً أبيض.
2
... ينفتح باب.. يُحدِث صريراً مكتوماً.. تُطلُّ جارتنا.. تنظر ناحيتي.. تُغضِّن وجهها بفعل البَرد.. تظهر عند قدميها قطّة ترتجف.. تتمطَّى.. تتثاءب.. ثُم تنصب أُذنيها وتراقبني بدورها.
حين تجاوزتهما.. كانت القطّة تحاول التمسّح بساق المرأة.. فركلتها وأغلقت الباب.
3
... الجليد يغطي كل شيء.. القرية تتجلَّل بدثار أبيض بارد.
ابتسمتُ مُحيِّياً قريبِي الذي مرَّ بالقرب منّي.. فاكتفى بهزِّ رأسه دون أن يلتفت إليّ.
4
... خرجتُ إلى الغابة.. لا أثر للرُّعاة.. لا دخان.. لا مزمار.. كم أحتاج إلى الدفء.. دفء النار.. دفء الحديث.. أنا في حاجة حتى إلى نباح الكلاب! في مثل هذا الصقيع يلوذ الرعيان بالكهوف.
5
... ثمَّة ذئاب هناك في الأسفل.. تتقافز من فوق الصخرة الكبيرة المُشرِفة على حافة السيل.. يتناثر الثلج من تحت أقدامها.. تتصارع.. تتقلَّب.. تقف لاهثة.. يُمكنني رؤية أنفاسها الحارَّة من السفح إلى السفح.. تَلْعَق بعضها بوُدّ.. ثُمَّ تعود لتتقافز من جديد.
كم أحسد هذه الذئاب.. أخذتُ أجري مستمتِعاً بتكسُّر الثلج.. انزلقتُ مع المنحدرات.. صعدتُ مرةً أخرى.. أحسستُ بشيءٍ من الدفء.. وقفتُ لأستردَّ أنفاسي.. وقد امتدت أمامي الحقول الجرداء المقرورة.. مساحة شاسعة من البياض البارد.. هذه أوّل مرَّة أكره فيها اللون الأبيض.. حتى الأشجار تَماهت مع المشهد الكُلِّي.. وانكمشت الأغصان تحت وطأة الجليد.. يا الله.. لو أستطيع أن أكسر كل هذا الصقيع.. كل.. هذه.. البرودة!
(2000)

هناك 3 تعليقات:

  1. البدوية/ بنغازي18 أبريل 2009 في 1:07 ص

    جميلة قريتكم

    حافظوا عليها

    ردحذف
  2. سأحدفه بكرة ثلج...كي يتماهى القاص مع المشهد الكلي ...تمثال قاص ...شكرآ ماميلي

    ردحذف
  3. الصقيع يسكن الأرواح .... والثلج يدفن المشاعر والقلوب منكمشة تحت وطأة الجليد ... لا مكان للمشاعر الدافئة حتى ولو تواصلت النفوس عن بعد ...
    لا وسيلة لكسر الصقيع والبرودة في عالم استبدل فيه الناس التعاطي مع العواطف الرقيقة بمجاملات تغلب عليها الشفقة ....
    أم لخير سعد

    ردحذف