23 يناير، 2010

النَّمْل

1
... إنه السباق مع الصيف.. حيث الزمن اللاهِث.
الحركة دائبة على طول الدروب وتعرُّجاتها.. كل درب يغصُّ بالأجسام السوداء الصاعدة النازلة.. لا أحد يقف.. لا أحد يَحيد عن الطريق.. حتى أولئك الذين يبدون للوهلة الأولى عاطلين عن العمل.. ولا هَمَّ لهم سوى الرواح والمجيء خاليي الوفاض.. فهم ليسوا كذلك في الواقع.. إنهم حُرّاس النَّيَاسِب.. يتوزَّعون على مسافات محسوبة.. لا يسمحون بأيّ اختراق أَمني!
2
... من بعيد.. عند انحناءة السماء خلف الجبل.. يبرز رتلٌ من السيارات.. يسير ببطء عبر تعرُّجات الطريق الترابي.. أبواق.. زغاريد.. ضوضاء.
3
... يبدو الآيبون مُحمَّلين بمختلف البضائع.. قَشّ.. خافور.. قمح.. شعير.. بل بعضهم يحمل الطرائد.. فهذه عشر نِمال تجرُّ عنكبوتاً.. تلتصق بأرجله.. وقرنَيّ استشعاره.. يبدو ثقيلاً.. لكن الفرائس الدسمة تستحق العناء.
السماء لاهِبة.. الأرض تَلْذَع.. لكنَّ حكمة النمل تقول: (مَن غَلَى دماغُه في الصيف.. غَلَى قِدْرُه في الشتاء).
4
... يقترب موكب العرس.. القوافل في دبيبها الدؤوب.. عجلات السيارات تدوس مسارب النمل.. تقطعها.. تلتئم.. تقطعها.. تلتئم...
ويَمضي العرس عبر ضوضاء الأبواق والزغاريد.. يدهس.. يسحل.. يقطع الطريق.
... يتلاشى الضجيج.. وتلتئم دروب النمل خطوطاً سوداء.. تغصُّ من جديد بالأجسام النحيلة.. الصاعدة النازلة...
***
(2000)

هناك 5 تعليقات:

  1. "يتلاشى الضجيج.. وتلتئم دروب النمل خطوطاً سوداء.. تغصُّ من جديد بالأجسام النحيلة.. الصاعدة النازلة..."
    إنه سحر اللغة لا أكثر الذي بإمكانه يحول المشهد الذي يأكله التكرار فعلاً جديداً ينبض بالحياة ...
    جمعة عبدالعليم

    ردحذف
  2. تُرى من يُشكِّل الأسراب اللاهثة المدهوسة.. ومن يُشكّل الضجيج الداهس؟
    بولفحلة..الإسكندرية.

    ردحذف
  3. إن الأمم التي تقوم بعد سحقها لها قدرة استثنائية على خلق ذاتها .

    مفتاح امعيزيق .

    ردحذف
  4. الأفاضل: جمعة عبدالعليم.. إبراهيم سعد.. مفتاح امعيزيق.. ثلاثة شعراء يعجبهم النص.. هذا كثير!!!

    ردحذف
  5. بقوة الارادة تصنع الحياة .......

    نعيمة الطاهر

    ردحذف